اللقاح مسؤولية وواجب وحق

ت + ت - الحجم الطبيعي

أغلبنا يسمع أو يشارك أو يتعرض أو يدلو بدلوه في أحاديث حول «نتلقى اللقاح أم نمتنع». وبين تلقي اللقاح والامتناع عنه، ألوان ودرجات من الرغبة والرفض، والرضا والغصب، واللهفة والبرود، والعلم واللاعلم. 

والعلم نور. واتخاذ قرار تلقي اللقاح من عدمه - في حال ظل القرار اختيارياً - يجب أن يكون مبنياً على علم. منظمة الصحة العالمية تخبرنا أن التطعيم الآن - وأكثر من أي وقت مضى - وسيلة مأمونة وفعّالة للوقاية وإنقاذ الأرواح.

ونحن حين نتلقى تطعيماً لا نحمي أنفسنا فقط، لكن نقي ونحمي ونحافظ على من حولنا. وهذا جزء كبير من مربط الفرس. فقرار تلقي اللقاح من عدمه يجب أن يدمج مسؤوليتنا تجاه الآخرين، وليس تجاه أنفسنا فقط. 

البعض يرى أنه أقوى من الفيروس، وأشرس من العدوى، وأجسر من نقص الأكسجين. آخرون يفضلون أن يتوكلوا دون شرط التعقل من منطلق أن الحامي هو الله سبحانه وتعالى. وفريق ثالث يتخوف من أثر اللقاح، فيفضل أن يترك نفسه عرضة لأثر الفيروس نفسه، وهلم جرا. 

وفي الجهة المقابلة، تقف اللقاحات وما تمنحه من حماية للأفراد والمجتمعات. هذه اللقاحات تدرب الدفاعات الطبيعية للجسم، أي جهاز المناعة، وتهيؤه للتعرف على الفيروسات ومكافحتها. وتكون النتيجة تكوين حائط صد قادر على تدمير العدو، أو على الأقل إفقاده جانباً معتبراً من بأسه وقوته. 

وقوة المجتمعات لا تكمن في قدراتها العسكرية والاقتصادية فقط، ولكن في قوة أفرادها المستقاة من شعور وتطبيق كل منهم لقيمة المسؤولية المجتمعية. وحين يتلقى أحدنا تطعيماً ضد مرض ما، فإن خطر إصابته يقل، وكذلك خطر نقله العدوى لآخرين. وكلما زاد عدد الحاصلين على التطعيم، تقلص هامش الإصابات والعدوى.

وتمضي فكرة المسؤولية المجتمعية والإنسانية قدماً لتمسّ فئة هشة في المجتمع، ألا وهي الأشخاص الذين تحول أوضاعهم الصحية دون حصولهم على اللقاح، ويكونون الأكثر عرضة للإصابة. هؤلاء يعتمدون علينا نحن الأصحاء لنحميهم. هم يعتمدون علينا في تلقي اللقاح حتى يحظوا هم بقدر أكبر من الحماية. 

وتتضمن حزمة المسؤولية المجتمعية والإنسانية بعداً اقتصادياً بالغ الأهمية. فإجراءات الدول لحماية الفئات الهشة اقتصادياً في زمن «كورونا» مثل توسيع قاعدة الدعم المادي والعيني، وسياسات دعم الشركات وأماكن العمل لمساعدتها على اجتياز الأزمة الاقتصادية الناجمة عن الإغلاق وغيرها، لا يمكن أن تستمر مدى الحياة.

ومهما طال أمدها، ستتوقف يوماً ما، لأنها إجراءات طارئة لأوضاع يفترض أن تكون طارئة. وهذا يعني أنه كلما زادت نسبة الحاصلين على اللقاح، زادت وتسارعت قدرة المجتمعات على التعافي الاقتصادي. 

وبينما نفكر ونتدبر ونقرر، هل نتلقى اللقاح أم لا نتلقاه، علينا أيضاً أن نتذكر أننا أمام جائحة وليس فيروساً عادياً سرعان ما سيندثر أو بكتريا محكوماً عليها بقصر العمر. وعلينا أن نستقي المعلومة من مصدرها حيث أهل العلم والمعرفة. منظمة الصحة العالمية، صاحبة الباع الطويلة في اللقاحات المختلفة، تؤكد أن تلقيح أكبر عدد ممكن من الناس (ممن ليست لديهم موانع تحول دون تطعيمهم) هو الطريق إلى إنهاء الجائحة. 

وعلى الرغم من قائمة الفوائد التي منت بها الجائحة علينا طيلة أشهرها الـ14 الماضية، إلا أن البشرية لا يمكنها الاكتفاء بالعيش في كنف مميزات الجائحة والتغاضي عن ظلالها الوخيمة المميتة. اكتشفنا قيمة التقارب الإنساني والعلاقات الأسرية والاجتماعية. وقدرنا أهمية النظر إلى منح الحياة باعتبارها فضلاً ونعمة، وليست تحصيلاً حاصلاً مفروغاً منه.

وتأكدنا أن العصر الرقمي قادم لا محالة، وأن التعليم والإدارة والصحة والتعاملات المصرفية والصحافة وغيرها من مظاهر الحياة والمهن والأعمال، قدرها ومآلها ومستقبلها رقمي بامتياز. ومهما تعددت وتواترت الاكتشافات والمميزات الناجمة عن الجائحة، فإن الحنين للعودة إلى الحياة الطبيعية، حتى لو كانت بمعايير جديدة، يلح وبشدة. 

الأسبوع العالمي للتمنيع وهو الأسبوع الأخير من أبريل الحالي يلح وبشدة هذا العام على إدراك أهمية اللقاحات أكثر من أي وقت مضى. اللقاحات لم تصبح فقط وسيلة للوقاية من الأمراض وتحصين الناس وتقوية المجتمعات، لكنها أصبحت طوق نجاة لضمان استمرار تقارب البشر من بعضهم البعض حرفياً وليس مجازاً.

لذلك ليس من المستغرب أن يحمل أسبوع التمنيع هذا العام شعار وقيمة «اللقاحات تقربنا أكثر». وبينما دول عدة في العالم تعاني ضعف أنظمتها الصحية والصراعات الدائرة على أراضيها، والمعضلات المادية والاجتماعية، وطوفان الإشاعات والمعلومات المضللة، على كل من لديه فرصة التطعيم أن يتلقاه من أجله ومن حوله، وأملاً في إعادة الحياة إلى قدر من طبيعتها.

وهنا يجب الإشارة إلى أن اللقاح ليس فقط واجباً على الجميع، لكنه أيضاً حق، والوصول العادل والمنصف له مطلب عادل من مطالب حقوق الإنسان. 

 

 

Email