عقلية السلطعون

ت + ت - الحجم الطبيعي

يمتاز حيوان السلطعون البحري بخصلة «اللؤم» البشرية أو «النحاسة» كما نسميها باللهجة الخليجية. فهو أحياناً لا يحب الخير لغيره. فحينما تحتجز هذه القشريات في دلو وتحاول إحداها الخروج تبدأ الأخريات بتقويض جهود الهارب حتى يتم إعادته إلى قعر الدلو.

وربما لا يستغرب الإنسان من «عقلية السلطعون» لأنه يراها في بيئات العمل والحياة. فكم من جار أو زميل أو ما كنا نعتقد بأنه صديق حميم، قد أفقنا على حقيقة أنه يضمر الضغينة والحسد.

وكم منا فوجئ بأنه كان ضحية حفلة تآمر في بيئات العمل، بعيدة عن أبجديات التنافس الشريف، تماماً كما يفعل سرطان البحر «لبني جلدته» ممن يحاول البحث عن رحاب حياة أفضل فيعيدونه إلى دائرتهم الضيقة.

وهذا ما يدفع الصياد عادة إلى عدم تغطية دلوه طوال اليوم، لأنه على يقين بأن «القبقب»، كما نسميه بالكويت، سوف يتولى مهمة تثبيط عزائم نظيره الطموح في الهروب من تلك المصيدة! وهناك بالفعل من يتولى مهمة تدمير معنوياتنا كلما شعر بأننا بدأنا «نزاحمه» في تجارته أو وظيفته، وينسى أو يتناسى بأن أحداً لا يستطيع أن يأخذ أرزاق أحد.

وقد قال تعالى في محكم تنزيله «وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ». فما نراه قليلاً من مباهج الحياة قد يكون عين النعيم الذي قصده الله تعالى حماية لنا من الفتنة أو البطش أو البطر.

فكم من محروم فتحت عليه خزائن الخير لاحقاً ليكتشف أنه كان يعد إعداداً لمرحلة نضج متقدمة. فكم من شاب جاءه الخير منذ نعومة أظفاره فبدده لقلة خبرته، وكم من ثري أو صاحب منصب جاءه لاحقاً عندما حان الوقت المناسب.

وما نود قوله إن تثبيط الناس لعزائمنا لا ينبغي أن يثنينا عن المضي قدماً في رسالتنا. فهناك من يتراجع أمام أول عائق يعترضه، فيخسر السباق. والأمر نفسه يحدث حتى في بيئات الدراسة.

إذ ذكر الباحث سيامون سبيسي في بحث له نشر عام 2015 بعنوان «عقلية السلطعون» أو «crab mentality»، حيث لاحظ أن تحقيق الناس لإنجازات تفوق السائد توجد مبررات يعتبرها الآخرون وجيهة للتنمّر، خصوصاً الطلبة منهم، ما يؤثر على نتائجهم في الاختبارات.

ففي جامعة نيوزيلندا لوحظ أن الغالبية العظمى (70 %) كانت تقلقهم الطرق التقليدية في تصنيف درجاتهم واختراقها خصوصياتهم. وتبين أن الطالب العادي يتأثر فعلياً بعشرين في المائة من هذه المخاوف «concerns».

فكلام الناس ومحاولاتهم الانتقام منا تحدث جروحاً غائرة فينا. وأذكر قصة لأب كان ابنه يجرح الآخرين بكلماته انتقاماً منهم، فأحضر له مطرقة وقطعة خشبية ومسامير. وطلب منه يومياً طرق مسمار في اللوحة.

وبعدما امتلأت اللوحة بالمسامير، قال له الآن أريدك أن تزيل جميع المسامير، ففعل الابن، فسأله الأب، هل عادت القطعة كما كانت؟ فقال الابن، نعم، فطلب منه الأب تدقيق النظر جيداً ليجد الابن أنها مُلِئت بالثقوب، فقال الأب، هذا بالضبط ما يحدث عندما تحاول الانتقام من الآخرين بكلماتك الجارحة، سيبقى تأثيرها طويلاً في ‏وجدانهم.

والسؤال هنا، لماذا ينتقم الفرد من نظيره المتميّز؟ أحد الأسباب يكمن في ضعف الحجة أو الأداء أو المقدرة على مجاراة الخصم. بعض الناس لا يفرح بتميزك، لأنك ترفع سقف توقعات من حوله بأداء أفضل.

فالكسول لا تسره حماسة أصحاب الهمم، لأنها تفاقم همومه. والحقود يتزايد حقده الدفين كلما علا من حوله، لأنه يزداد يقيناً بأنه يعيش في حضيض أفكاره البالية. لهذا قيل «عندما يشدك أحد من الخلف في السباق، فتذكر بأنك في المقدمة».

 

 

Email