«الاختيار2».. اللعبة كبيرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما كان يحاك لمصر أكبر بكثير جداً مما عرفناه، مخططات الفوضى والتخريب والدمار، وسيلة للوصول إلى غاية عنوانها «خطف الدولة المصرية»، خلف الأبواب وداخل الأدراج، معلومات وأسرار على ذمة أبطال وطنيين، بعضهم قدم روحه فداء لتراب الوطن، والبعض الآخر لا يزال يواصل المسيرة، ليس كل ما يعرف يقال، مقتضيات الأمن القومي تختار التوقيت المناسب للإفصاح عن المعلومات التي كانت تهدد الدولة المصرية، والمنطقة بأكملها.

«الاختيار 2» واقع يكتب دراما المسلسل، وليس العكس، نيران «رابعة والنهضة» كان يمكن أن تمتد لتمسك بجسد المنطقة العربية بأكملها، إذا لم تنجح قوات الشرطة الباسلة في إحكام السيطرة على هذه البؤر الإرهابية.

المشاهد الواقعية التي عشناها مع حلقات المسلسل، خصوصاً الحلقة الخامسة، التي شهدت فض بؤرتي «رابعة والنهضة» رسالة دامغة لتبيان الخط الأبيض من الأسود، كل صنوف الإرهاب، والمتاجرة بالدين والبشر، التجمعات مسلحة، تحت الأرض وفوق الأرض، بكل أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة، نعوش الموتى لم تسلم من ألاعيبهم، أخفوا بداخلها السلاح، الرجال ارتدوا النقاب، واستخدموا الأطفال دروعاً بشرية.

أي دين وأي ديانة؟ كبيرهم حسن البنا، قال عنهم: «ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين»، امتداداتهم الطرفية كشفها الشهيد محمد مبروك، في قضية التخابر، أوجعتهم التفاصيل، حاصرتهم الحقائق، اغتالوه بمعرفة ابن أيامه، الذي أرشدهم إليه لينالوا منه، الضابط محمد عويس لم يهنأ بعطاياهم له، ولم تشفع له دموع التماسيح وهو يبكي في جنازة الشهيد مبروك.

احذروا، من باع مرة، يبيع ألف مرة، الاختراق كارثة، الوقوف على الثغور لحماية تراب هذا الوطن، هو الاختيار الأول والثاني وإلى نهاية العمر، التطهير يبدأ من العقل والفكر والتنوير، المحرضون والمتآمرون والمتأسلمون، يعرفون جيداً أنهم يقومون بدور وظيفي.

ما بين «الاختيار 1» و«الاختيار 2»، نتأمل وجه مصر الذي أرادوا تشويهه، حضارة وثقافة وهوية، هؤلاء ليسوا أبناء كرداسة، كما قال مأمور القسم قبل استشهاده، قبل أن يسقوه «ماء النار».. يا الله، أي رحمة وأي إنسانية؟

نعم هؤلاء ليسوا أبناء كرداسة الذين كان يعرفهم ويساندهم، نعم هؤلاء تنظيم أسود، تحرك وفق توقيتات وتربيطات وجماعات مسلحة، أرادت إحراق البلد، لديها قناعة: «إما حكم مصر، وإما حرق مصر»، لكن مشروعهم في الاستحواذ والسيطرة والتمكين من حكم مصر والمنطقة تحطم على صخور الوطنية المصرية.

بعضنا عاش وعايش تفاصيل هذه الأيام السوداء، لكن أجيالاً جديدة كان لا بد أن ترى مشاهد حية لتوثيق دموية وإرهاب هذه الجماعة، وكان لا بد أيضاً أن تسجل ذاكرتها بحروف من نور بطولات من ضحوا بأرواحهم، وتركوا من خلفهم أيتاماً وأرامل، لكى يبقى هذا الوطن وتعيش هذه الأمة.. نعم لولا هؤلاء ما كنا هنا.

أوراق مسلسل «الاختيار 2» الذي يقدم الدور البطولي لرجال الشرطة البواسل، يواصل توثيق واقع «الاختيار 1» الذي شهد بطولات رجال قواتنا المسلحة، لنجد أنفسنا أمام مؤسسات وطنية خالصة حتى النخاع، تؤكد لدينا الاطمئنان الدائم على استقرارنا وأمننا القومي المصري والعربي.

المعلومات التي ساقها لنا هذا المسلسل، تدعونا لقراءتها بعمق، والتوقف أمام تفاصيلها، لنعرف حجم ما كان يدبر لنا، وكم كان المخطط كبيراً لهدم الحضارة والهوية، وكتابة التاريخ الكاذب، وإعادة رسم الخرائط بتوقيع التنظيم الدولي للإرهاب، الرسالة هنا تدعونا إلى الانتباه، المخططات لم تتوقف، التاريخ يُطمئن، لا توجد جماعات تهزم دولاً، اليقظة الوطنية لدى مؤسساتنا الأمنية قادرة على تجفيف منابع الشر، على شعوبنا العربية التمسك الكامل بالدفاع عن مؤسساتهم الوطنية، والإيمان الكامل بأن المسار الصحيح هو المواجهة المبكرة لأي إرهاصات تستهدف الاستقرار، وتهدد أمننا القومي.

* رئيس تحرير «الأهرام العربي»

 
Email