المواطنة الإيجابية في شهر رمضان

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتجلى في شهر رمضان المبارك قيم المواطنة الإيجابية، فهو شهر التسامح والتراحم والتكافل والتعاون والصبر والعزيمة، يحرص فيه المسلم على تزكية نفسه، والارتقاء بسلوكه، والتقرب إلى ربه، والتزود من العبادات والأعمال الصالحة، كما يحرص على نفع مجتمعه، وبذل الخير والمعروف للناس.

ومن قيم المواطنة الإيجابية في شهر رمضان تعزيز التسامح والتصافي، وتنقية القلوب والنفوس من الأحقاد والضغائن، والتغاضي عن الهفوات، والتنازل في سبيل إصلاح ذات البين، ورأب الصدع مع الأقارب والجيران والأصدقاء، وبناء العلاقات الإيجابية معهم، بالكلمة الطيبة، والفعل الجميل، متذكرين قول الله تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}، وقوله سبحانه: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم}.

وشهر رمضان موسم عظيم يجدر بنا أن نستثمره في مراجعة علاقاتنا مع الناس، فنستسمح ممن أسأنا إليه، ونسامح من أساء إلينا، ونرتقي بأخلاقنا في معاملة القريب والبعيد، ففي الحديث النبوي: «ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق».

ومن ذلك أن نصون ألسنتنا عن الإساءة للآخرين، بغيبة أو نميمة أو سباب أو تعنيف، وأن نعوّد أنفسنا على حسن الظن ما أمكن، ومن مفاتيح المواطنة الإيجابية في رمضان والتي تعيننا على هذه السلوكيات الراقية، ضبط النفس عند الغضب، فقد مدح الله تعالى الذين يغفرون عند الغضب، وأثنى عليهم، وأثنى على الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، وأخبر أنه يحبهم، فقال سبحانه: {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين}، وجاء رجل للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: أوصني، قال: «لا تغضب» فردد مراراً، قال: «لا تغضب»، والصائم أولى الناس بالتحلي بهذا الخلق الكريم، بأن يجاهد نفسه، ويدفع الخواطر السيئة عن ذهنه تجاه الآخرين، ويتحلى معهم بأرفع الأخلاق والقيم، ولا يقابل الإساءة بالإساءة، ففي الحديث: «إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم».

ومن قيم المواطنة الإيجابية في رمضان التزود من أعمال البر والإحسان ومساعدة المحتاجين، قال تعالى: {إن المصَّدِّقين والمصَّدِّقات وأقرضوا الله قرضاً حسناً يضاعَف لهم ولهم أجر كريم}، ومن ذلك أن نساهم في دعم الحملات الخيرية التي تطلقها دولتنا، لتقديم العون والمساعدة للمحتاجين في كل مكان، ومن ذلك على سبيل المثال حملة «100 مليون وجبة» التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، بهدف توفير الدعم الغذائي خلال شهر رمضان في 20 دولة حول العالم، كما يسرت لنا الدولة أبواب الخير والإحسان عبر التطبيقات الذكية لمؤسساتها الخيرية، فيستطيع الإنسان بكل سهولة ويسر أن يتبرع بما شاء، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان.

ومن قيم المواطنة الإيجابية في رمضان هذا الموسم، الالتزام بالإجراءات الوقائية ضد وباء «كورونا»، الذي يهدد صحة البشر وسلامتهم، وقد فتك بالملايين وأودى بحياتهم، ولذلك علينا التحلي بروح المسؤولية تجاه هذه الأزمة، والالتزام بإجراءات الوقاية التي تحمينا وتحمي غيرنا، وألا نتهاون في ذلك من قريب أو بعيد، سواء عند ذهابنا للمساجد، أو عبر تجنبنا للتجمعات، والتزامنا بسائر الإجراءات التي حددتها جهات الاختصاص، وأن نلتزم بالفتاوى الشرعية الصادرة من مؤسسات الإفتاء في الوقاية من هذا الوباء، والتي تراعي قواعد الشريعة في حفظ الضروريات الكبرى، وخاصة حفظ النفوس وصيانتها، سائلين المولى تعالى أن يزيل هذا الوباء عنا وعن العالم أجمعين.

ومن قيم المواطنة الإيجابية في رمضان، وخاصة في هذا الموسم، أن نعتني بأسرنا وأبنائنا وبناتنا، وأن نغرس فيهم التراحم والتلاحم، ونزرع فيهم حب الخير ونحثهم عليه ونتعاون معهم على ذلك، ففي الحديث النبوي: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي».

إن شهر رمضان موسم عظيم للتحلي بأرقى قيم المواطنة الإيجابية، والسلوكيات الحميدة، فهو شهر الارتقاء بالنفس وتزكيتها وتحليتها بالأخلاق الفاضلة الحميدة.

 

 

Email