زيارة إلى المستقبل

ت + ت - الحجم الطبيعي

وسط نظام عالمي يبحث عن ملامحه الجديدة، لا أحد بعيد عن التحديات. تصفية الحسابات مع الجغرافيا والتاريخ، لغة جديدة فى إدارة العالم. تصدعات ما يسمى بـ«الربيع العربي» لم تغادر جدران هذه الأمة.مختبرات الفــوضى، تبحــث عن العــودة بقاموس وآليات جديدة. البصمة السوداء، تركت آثاراً واضحة على خرائط المنطقة. تصحيح المسار، هو الطريق الوحيد للنجاة.

القمة، التي عقدها الرئيس عبد الفتاح السيسي، مع الرئيس التونسي قيس سعيد، تحمل إشارات ودلالات ورسائل مهمة، قمة بمثابة زيارة إلى المستقبل.

برنامج زيارات الرئيس التونسي واختياره أماكن بعينها له دلالاته: مشيخة الأزهر، خط بارليف، ضريح جمال عبدالناصر والسادات والجندي المجهول، شارع المعز، متحف الحضارة، دار الأوبرا، هذه الاختيارات ترجمة واقعية لمواقفه ورؤيته حول العديد من القضايا.

الزمان والمكان فارقان، في القضايا التي تناولتها هذه القمة المصرية، الملف الليبي لا يزال ضاغطاً، ويحتاج إلى وقفة فاصلة وقاطعة، لوصول سفينة الاستقرار في ليبيا إلى شاطئ الأمان.

الاستقرار الليبي هو نفسه الاستقرار المصري والتونسي، وأية محاولات لاستئناف الفوضى في ليبيا، هي بوابة لإثارة القلاقل فى مصر وتونس، فعندما قال الرئيس السيسي: «سرت - الجفرة خط أحمر» جاءت رسالته عن دراسة عميقة تدرك التداعيات والآثار السلبية لتجاوز هذا الخط، رسالة القاهرة أتت بثمارها، ودخلت ليبيا في استكمال استحقاقاتها الدستورية من أجل إعادة بناء الدولة.

الغالبية العظمى من الشعب التونسي، لديها اليقين الكامل بأن استمرار الخطر في ليبيا سيمتد - قطعاً - إلى الأراضي التونسية، من ذاق عرف، تونس أولى العواصم العربية التي اكتوت بنيران 17 ديسمبر عام 2010، النتائج لا تحتاج إلى تفسير، الفواتير باهظة، خسائر سياسية واقتصادية واجتماعية، الشعب التونسي أدرك جيداً أن الطريق إلى عودة الدولة، يحتاج إلى حكمة وطنية خالصة.

محاولات حركة «النهضة» لخلخلة النظام التونسي، باتت على مرأى ومسمع من الجميع، «النهضة» عنوان لجماعة إرهابية واهمة، بأن العودة من تونس ممكنة، الشواهد تقول إن التحديات قائمة، لكن الواقع يؤكد أن الدرس انتهى.

القمة المصرية - التونسية، التي شهدتها القاهرة، خلال زيارة الرئيس قيس سعيد، التي استغرقت ثلاثة أيام، حملت العديد من الرسائل، في مقدمتها كسر حلقة الفوضى، وإعلان عن رغبة شعبية واسعة بأن استقرار العواصم العربية خط أحمر، وأنه لا بديل عن الحفاظ على دولة المؤسسات، بمفهومها الوطني الشامل، الرسالة هنا أيضاً تتجسد بقوة لتؤكد أن مسار القاهرة، منذ أن تولى الرئيس السيسي، قيادة الدولة المصرية، يسير فى الاتجاه الصحيح، وأن تجربتها في مجابهة التحديات، تستـــدعى التــــوقف والقراءة والانحياز إليها، الوقوف في المنتصف بات لغة واهنة وبالية، الصعود يحتاج إلى عزيمة عنوانها: «خط مستقيم بين نقطتين».

جراحات التجميل السياســـي، لــم تعد مناسبة لبناء العواصم العربية، التي لا يزال بعضها تحت ركام ربيع الفوضى والتخريب.

«هنا القاهرة».. هنا مفتاح العبور إلى المنطقة، مؤشر استقرارها يحدد مساحات التعامل مع جيرانها، قوتها لا تنفصل عن قوة محيطها.

أمنها القومي جزء أصيل من الأمن القومي العربي، الرئيس التونسي، قيس سعيد، قالها بوضوح: «إن الأمن القومي لمصر جزء من الأمن القومي لتونس، وموقف مصر في أي محفل دولي، سيكون هو موقف تونس، وإن تونس لن تقبل أبداً المساس بالأمن المائي لمصر».

انتهى كلام الرئيس التونسي، ومن ثم، فلا بد من الوحدة واستدعــاء تحديات السنــوات الصعبــة، والحيلولة دون تكرارها مرة ثانية، فالشعوب والدول العربية لا تستحق ما يحاك لها من قوى الشر الظلامية، والقوى الإقليمية الطامعة في خرائطها، فإذا كانت هذه القمة المصرية - التونسية رسالة قوية، فإنه بات من الضروري والواجب في هذا التوقيت الصعب، الدعوة إلى قمة عربية طارئة، وتصحيح المسار، والجلوس إلى مائدة حوار تحسم ملفات شائكة ومعقدة للغاية، في مقدمتها، ملف الأمن القومي المائي لمصر والسودان، ووضع حد فاصل للملف الليبي، والقضية الفلسطينية، والأزمة اليمنية، والتدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول العربية، فالإرهاصات من حولنا تقول، إن محاولات استئناف مخططات الفوضى لا تزال قائمة، لكنها بأدوات جديدة.

Email