قناة السويس مستقبل إدارة الأزمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما حدث في إدارة أزمة جنوح السفينة «إيفر غيفن» البنمية في قناة السويس المصرية كان بمثابة الإعجاز الحقيقي، فقد استطاع المصريون إنهاء الأزمة التي أربكت أسواق النفط العالمية وتكاليف النقل البحري.. هذا ما أجمعت عليه كافة وسائل الإعلام العالمية.

فالممر العالمي الملاحي الذي يربط بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر بطول 193 كيلومتراً من السويس جنوباً وحتى بورسعيد شمالاً، وبعد افتتاح القناة الجديدة أيضاً بطول 30 كيلومتراً لتقليل المسافة الزمنية للعبور إلى النصف، أثبت أنه لا بديل له على الأقل في المستقبل القريب، رغم الأحاديث التي أوردها البعض في وسائل الإعلام الإقليمية والعالمية عن إمكانية وجود بديل للقناة المصرية، وهو ما ردت عليه صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية في تقرير رئيسي وموسع لها أثناء الأزمة، مؤكدة أن لا بديل عن القناة المصرية، لأن كافة البدائل الأخرى للملاحة البحرية بعيداً عن قناة السويس مكلفة للغاية، ومرعبة من حيث الوقت والتكلفة.

تصدر قناة السويس عناوين الصحف والفضائيات خلال أسبوع الأزمة، لم يكن له سوى معنى واحد، وهو أن العالم يدرك ويعرف قيمة القناة وحيويتها وأهميتها للتجارة العالمية.. وخاصة بعد الاهتمام بتطويرها وتوسعتها وتحويلها إلى منطقة لوجيستية عالمية، وليس مجرد ممر لتحصيل الرسوم فقط.

فحسب بيانات من مجلة «لويدز ليست» المختصة بالشحن، تقدر حركة المرور المتجهة غرباً عبر القناة بحوالي 5.1 مليارات دولار في اليوم، وحركة المرور المتجهة شرقاً بحوالي 4.5 مليارات دولار في اليوم. فالقناة تمثل شريان التجارة العالمية يمر منها 70 % من حجم التجارة البحرية و12 % من حجم التجارة الدولية بشكل عام.

بعض حملات التشكيك والدعاية السوداء ضد قناة السويس وتطويرها والتفريعة الجديدة للقناة، وللأسف عدد من خبراء الملاحة الدولية روّجوا بأن الأزمة لن ينجح خبراء هيئة قناة السويس في إنهائها قبل شهرين على الأقل.

ولذلك كانت المفاجأة أن ينجح رجال الهيئة بكل ما لديهم من خبرات تاريخية وكفاءات، في تعويم السفينة خلال خمسة أيام فقط، بعد أن بدأ العالم في حبس أنفاسه ووقف على قدم مع التعطل المؤقت لعبور السفن بالقناة بسبب جنوح السفينة العملاقة، وبدأت الدول تحسب حساب الخسائر، فقد ارتفعت أسعار النفط في الأسواق العالمية، وأعلنت شركات التأمين البحري رفع أسعارها، وفكرت بعض الشركات والدول الكبرى في مجال النقل البحري في البحث عن بديل، لكنها تراجعت بعد أن أدركت وأيقنت أن قناة السويس، ممر ضروري وحيوي بكافة المعايير والمقاييس البحرية العالمية.

«نيويورك تايمز»، الصحيفة الأمريكية الأوسع انتشاراً أوردت تقريراً في غاية الأهمية خلال الأزمة ذكرت فيه: عادة ما تستغرق الرحلة من قناة السويس في مصر إلى روتردام بهولندا - أكبر ميناء في أوروبا - حوالي 11 يوماً.

أما المغامرة في الجنوب حول رأس الرجاء الصالح في إفريقيا، فإن الرحلة تستغرق 26 يوماً آخر على الأقل، وتبلغ رسوم الوقود الإضافية للرحلة عموماً أكثر من 30 ألف دولار في اليوم، اعتماداً على السفينة، أو أكثر من 800 ألف دولار للرحلة الأطول.

لكن الخيار الآخر هو الجلوس عند مدخل القناة، وانتظار تبدد الاختناقات المرورية العائمة، مع تحمل ما يسمى بغرامات التأخير - رسوم التأخير للشحن - والتي تتراوح من 15 ألف دولار إلى 30 ألف دولار في اليوم.

«بي بي سي» البريطانية، قالت إن جنوح سفينة نقل الحاويات الضخمة في قناة السويس يعطل بضائع تقدر قيمتها بنحو 9.6 مليارات دولار كل يوم، بحسب بيانات الشحن، ويعادل هذا 400 مليون دولار من التبادل التجاري في الساعة على طول الممر المائي الذي يعد معبراً حيوياً بين الشرق والغرب.

ما حدث ربما كان الضارة النافعة، إذ كشف أن المشاريع الأخرى، أو بدائل قناة السويس، كلها وهمية، ولن تحقق المزايا التنافسية للقناة المصرية، وهذا من حسن حظ مصر وقدرها السعيد ونعمة من الله تعالى، وتقديراً لعرق ودماء مئات آلاف المصريين الذين حفروا القناة.

الملاحة عادت إلى طبيعتها في القناة بفضل جهود الرجال في هيئة قناة السويس في إدارة الأزمة، استلهاماً من تاريخ النضال والبطولة في إدارتها بعد التأميم، وفي عبورها في حرب أكتوبر المجيدة، وفي إعادة الملاحة إليها في عام 1975.

التحدي الآني للقناة هو المنافسة الذاتية لإجهاض أية مشروعات أخرى مستقبلية، فرئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع، قال إن هناك خطة استراتيجية لتطوير الهيئة تستمر حتى 2026، من ضمنها تطوير الأسطول البحري، والذي يضم الكراكات والقاطرات ولانشات المرشدين.

ومن المتوقع وصول كراكتين جديدتين في الفترة المقبلة، إحداهما تسمى «مهاب مميش»، والأخرى «حسين طنطاوي» وستصل في أغسطس المقبل، وتعدان الأكبر بالشرق الأوسط، حيث يصل طول الواحدة منهما إلى 147 متراً، وتعمل في عمق 35 متراً، كما أنه جارٍ تطوير أسطول الكراكات الموجودة، علاوة على مشروعات توسعة جديدة.

 

 

Email