العمل الخيري في أزمة «كورونا»

ت + ت - الحجم الطبيعي

في أوقات المحن والأزمات تشتد حاجة المجتمعات للتكافل والتعاضد، ووقوف الجميع بجانب بعضهم بعضاً يداً بيد، للتغلب على التحديات المشتركة التي تعترض سبيلهم، ليكون المجتمع بهذه القيم والمواقف مجتمعاً متراحماً متلاحماً، الجميع فيه كالجسد الواحد، ويحقق معنى البيت المتوحد في أرقى تجلياته تعاطفاً وتكافلاً، وليكون أيضاً منارة خير للبشرية جمعاء، تصل إسهاماته الخيرية إلى كل مكان يحتاج أهله للعون والمساعدة.

إن هذه القيم والمعاني الجوهرية تشتد الحاجة إليها في الأزمات الكبرى، وبالأخص ما يعيشه العالم في هذه الفترة من أزمة «كورونا»، التي أنشبت أظفارها في كل مناحي الحياة، وشكلت تحدياً كبيراً للأفراد والمجتمعات في مشارق الأرض ومغاربها، وهددت الناس في أمور معاشهم ومصالحهم وفي صحتهم وتعليمهم وغير ذلك، ما جعل الحاجة ماسة إلى أن تنهض قيم التكافل والعطاء بقوة في المجتمعات، وتتحول إلى مواقف عملية مترجمة عبر أعمال تطوعية وإسهامات خيرية يساهم فيها الجميع، لبناء منظومة إنسانية مشتركة تكون صمام أمان وحائط صد أمام مثل هذه الأزمات الكبرى.

وتعد دولة الإمارات نموذجاً مشرقاً رائداً للعمل الخيري في شتى المواقف والظروف، فقد رسخ قادة دولة الإمارات حب البذل والعطاء في المجتمع، ليصبح جزءاً أصيلاً من ثقافة أفراده وحياتهم العملية، وتكملة لما ورثوه عن الآباء والأجداد من التكافل والبذل والعطاء، وفي هذا الصدد، يقول مؤسس دولتنا الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه: «إن المساهمة في العمل الخيري والإنساني في الدولة أصبحت مسؤولية الجميع، كلٌّ حسب استطاعته، ليساهم في رفع المعاناة عن الأيتام والمساكين الذين تقطعت بهم السبل، وذاقوا مرارة الحرمان ولم يعد لهم بعد الله إلا أهل الخير، ويجب على المواطن والمواطنة المشاركة في الأعمال النبيلة والمشروعات الإنسانية في المجتمع الذي عُرف بتقاليده الأصيلة وحب الخير والتكافل».

لقد تغلغلت هذه الكلمات في وجدان الشعب الإماراتي الأصيل، الذي عُرف قيادة وشعباً بإسهاماته الخيرية المتجددة والمستمرة كالنهر المتدفق، وخاصة في أوقات الشدة، فكانت دولة الإمارات خير معين للأشقاء والأصدقاء وسنداً لكل محتاج أينما كان، وأطلقت أياديها البيضاء في أزمة «كورونا» لتمتد في كل مكان، عبر المساعدات الإنسانية والأجهزة الطبية واللقاحات وغيرها، وذلك على الصعيد الداخلي والخارجي، وعلى نهج القيادة الحكيمة يسير المجتمع الإماراتي في كل وقت وحين بذلاً وعطاء وإسهاماً في مجالات الخير المتنوعة.

إن العمل الخيري في أزمة «كورونا» لا ينحصر في جانب واحد، بل يشمل كل ما من شأنه أن ينصب في خدمة الناس وتيسير أمورهم وتحقيق مصالحهم، ومن أهم ذلك ما يتعلق بحفظ أنفسهم وأرواحهم، ودعم صحتهم ووقايتهم، وتعزيز العمل الخيري في المجال الصحي في ما يتعلق بالأدوية والعلاجات وتوفير المستلزمات الصحية للمحتاجين ونحو ذلك، وأيضاً في ما يتعلق بمستلزماتهم الغذائية، وتعزيز العمل الخيري في مجال التعليم، وكل ما له صلة بحاجات الناس وظروفهم، ولذلك قرر أهل العلم أن معيار الأفضلية في العمل الخيري ما كان أكثر حاجة ونفعاً، قال ابن القيم: «أفضل الصدقة ما صادفت حاجة من المتصدَّق عليه، وكانت دائمة مستمرة»، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة سقي الماء»، وهذا في موضع يقلُّ فيه الماء ويكثر فيه العطش، وإلا فسقي الماء على الأنهار لا يكون أفضل من إطعام الطعام عند الحاجة.

وها هو شهر رمضان الفضيل على الأبواب، وهو شهر البر والإحسان والصدقات، وهو فرصة استثمار عظيمة لنا لنستزيد فيه من العمل الخيري، ونساهم مع قيادتنا الرشيدة في جعل دولة الإمارات منارة مشرقة وأنموذجاً فريداً من البذل والعطاء والتكافل، عبر مؤسسات الدولة الخيرية، التي أطلقت الخدمات الإلكترونية الذكية التي يستطيع عبرها فاعل الخير أن يجود بماله ودعمه بأيسر السبل، فيكون بذلك سبباً لتخفيف المعاناة عن المحتاجين، وزرع بسمة السعادة على شفاه المحرومين.

إن العمل الخيري في دولة الإمارات قيمة أصيلة متجذرة، وواقع مشرق يضيء العالم كله، ليجعل القيم التكافلية مبدأً راسخاً في منظومة الحضارة الإنسانية الراقية.

Email