ليبيا بين التحديات والفرص

ت + ت - الحجم الطبيعي

المتغيرات على الساحة الليبية سريعة جداً، ثمة آمال عريضة تلوح في الأفق السياسي، الليبيون يعقدون آمالاً كبيرة على عودة وطنهم والمؤسسات الوطنية.

قالت مسارات جنيف وتونس والغردقة كلمتها، وأتت برئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس الحكومة عبد الحميد دبيبة، بدأ الحراك والتفاعل نحو المستقبل الليبي، أملاً في الوصول إلى استحقاقات دستورية، من شأنها إعادة تأسيس دولة وطنية لكل الليبيين، تتجاوز الصفحات السوداء التي مرت بها ليبيا منذ 17 فبراير 2011.

الأوراق كثيرة، التحديات تفرض نفسها، ثمة قطاعات محلية وإقليمية ودولية وشرق متوسطية تقف في المنتصف، والإشارات مبشّرة، لكنها قطعاً في حاجة إلى مزيد من العمل والحكمة والحنكة والإرادة السياسية الخالصة في لمّ شمل الشعب الليبي، والوصول إلى عتبة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرر إجراؤها في 24 ديسمبر المقبل.

لكن الشاهد يقول إن هناك العديد من التحديات التي يحتاج تجاوزها إلى إعادة تموضع استراتيجي وتكتيكي في الشارع السياسي الليبي لجميع القوى السياسية، في مقدمة هذه التحديات التي ستواجه الحكومة، هي توحيد الجيش والمؤسسات الأمنية في البلاد، لإنهاء حالة الصراع المتبادل، وإغلاق مسارح المبارزة بين الأطراف، وهنا أتوقف بالضرورة أمام الدور الذي قامت به القاهرة، متمثلة في اللجنة المصرية المعنية بالملف الليبي، التي قطعت شوطاً كبيراً، وحققت نتائج مثمرة من أجل الوصول إلى توحيد المؤسسات العسكرية الليبية، وهذا ما وجد ترحيباً واسعاً من قبل منتسبي المؤسسات الأمنية الليبية، من الشرق والغرب والجنوب.

أيضاً يأتي التحدي الأخطر، وهو الوصول إلى أرضية دستورية تتم من خلالها الإجراءات والاستحقاقات، التي تسهم بشكل كبير في ترسيخ وتثبيت أركان الدولة الليبية.

فلا يزال هناك جدل في الأوساط السياسية الليبية، حول مدى ضرورة أو عدم ضرورة إجراء استفتاء على الوثيقة الدستورية التي تم التوصل إليها، ومن ثم فإن هناك أيادي خفية تحاول العبث بهذا الجدل الدائر، لتعطيل خريطة الطريق ومسارات التحرك إلى الأمام، من أجل مصالح خاصة وحزبية، وهذا الفريق المتآمر يمثل تحدياً كبيراً أمام الحكومة، ويحتاج إلى رؤية سياسية خاصة، تسمو فوق هذه الخلافات، فبالطبع أنه ليس على هوى قوى المصالح وتجار الأوطان، أن ترى ليبيا عائدة إلى استقرارها، أو إلى محيطها العربي والأفريقي والمتوسطي.

في السياق ذاته، هناك تحدٍ آخر لا يقل أهمية، يتعلق بتوحيد المؤسسات المالية والمصرفية، بعد معاناتها من حالة الانقسام والتشظي التي عاشتها ليبيا منذ عام 2011.

أما التحدي الذي يشغل الرأي العام الليبي ودول الجوار، الذي يتعلق بالأمن القومي للمنطقة، فهو المتمثل في القدرة على إخراج المرتزقة والميليشيات، وجماعات التطرف والإرهاب من الأراضي الليبية، ووضع حد فاصل أمام الأدوار الوظيفية، والتدخلات الخارجية الهادفة إلى العبث بالاستقرار الليبي، فالقدرة على مواجهة هذا التحدي، هو بمثابة شهادة حقيقية وجادة للحكومة الجديدة، واختبار لمدى قدرتها على إعادة الانضباط إلى الساحة الليبية، وتصحيح المسارات الخاطئة التي وقعت فيها حكومة السراج السابقة.

إلى ذلك، نجد أن «الجيوسياسة» الليبية، تفرض مواجهة أطماع دولية تستوجب وحدة جميع المؤسسات والفرقاء الليبيين لمواجهتها، والحد من تأثيراتها وتدخلاتها في المشهد الليبي، وهنا يجب على المجتمع الدولي، أن يدعم مسيرة الحل في ليبيا بكل ما يملك، حتى لا يحدث «نكوص سياسي» مرة ثانية، كما شهدناه عقب اتفاق الصخيرات الذي عقد بالمغرب عام 2015.

إذاً نحن أمام بداية صحيحة، لكن استكمال المشوار الليبي يحتاج إلى مزيد من الفطنة واليقظة، وتغليب المصالح العليا للدولة الليبية على المصالح الخاصة، فربما هذه الفرصة لن تتكرر ثانية.

Email