الميليشيات وتدمير الدول

ت + ت - الحجم الطبيعي

الميليشيات في التعريف، هي جماعات مسلحة تمارس عنفها خارج دولة القانون لتحقيق أهداف سياسية، ولا علاقة لها بمؤسسات الجيش والأمن، التي لا غنى عنها في أية دولة.وباستطاعتنا القول إنه في هذه اللحظة من تاريخ القرن الحادي والعشرين، حيث تسود دولة الحق والقانون، واحتكار القوة في أغلب دول العالم، فإن وجود الميليشيات في أي بلد من البلدان حالة مرضية وشاذة.

حالة تعول على العنف وتحطيم سلطة الدولة.ومن لم يرَ التناقض بين سلطة الدولة واحتكارها للقوة للدفاع عن الوطن والسيادة وتنفيذ القانون من جهة، وسلطة الميليشيات المدمرة المعادية لوحدة المجتمع، فإنما لتبرير الحماقة التاريخية، والوسخ التاريخي الذي تمثله الميليشيات.

وهذه الميليشيات الراهنة تختلف عن الحركات التاريخية التي واجهت احتلالاً خارجياً، وانتهت بانتهاء الاحتلال، كالمقاومة في الاتحاد السوفييتي وفرنسا أيام الاحتلال النازي، والمقاومة في الجنوب اليمني ضد الاستعمار الإنجليزي، ومثلها مقاومة جبهة التحرير الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي وهكذا.

إذاً إن السمة الأساسية للميليشيات الفاعلة الآن في الشام والعراق واليمن وليبيا، هي أنها وقائع عنفية مسلحة غير قانونية، ولا تقوم لها قائمة إلا في غياب الدولة وسلطتها.

وإذا ما حصل وجرى الاعتراف بها من قبل الدولة الأم، فإن سلطة الدولة إما أن تكون ضعيفة، أو أن حكامها من ذوي العقل الميليشيوي، أما إذا حصل ودعمت دولة خارجية ميليشيات داخلية، فإنها ذات أهداف توسع وهيمنة.

ولعمري بأن أخطر نظام سياسي على حياة الناس، هو النظام الذي يعتمد على ميليشيات لاستمرار سلطته.

لا يمكن أن تقوم سلطة مركزية للدولة في لبنان مع استمرار ميليشيا «حزب الله»، ولا يمكن أن يعود اليمن دولة مع بقاء ميليشيا الحوثي، وقس على ذلك، فإنه لا يمكن أن تكون سوريا مع وجود ميليشيات طائفية من الداخل والخارج، أو ميليشيات مدعومة من دول إقليمية. أما العراق فطريقه إلى انتصار الدول وقف على حلّ جميع الميليشيات.

والتبريرات الأيديولوجية لوجود الميليشيات، في حضارتنا الراهنة، تبريرات كاذبة بالمرة. فإذا كان حسن نصرالله يبرر وجود السلاح مع حزبه بالمقاومة ضد إسرائيل، وهو قد أبرم اتفاقاً مع إسرائيل ينص على ابتعادهم عن الحدود، وتوقف جميع العمليات المسلحة، فبماذا يبرر دفاعه عن وجود السلاح الثقيل والخفيف بيد الحوثيين؟

وبماذا يبرر وجود السلاح بيد ميليشيات الصدر والحكيم والمالكي؟ لا سيما أن الجماعة المنتمية إليها هذه الجماعات لا تواجه خطراً من سلطات دولها، هل هي المصادفة التي جعلت هذه الجماعات كلها مسلحة ومدعومة من المرشد والحرس الثوري؟ وهذه الميليشيات قبل «داعش» وما شابه ذلك، كيف يمكن لدولة مركزية أن تفرض سيادتها وأمن بلدها ولديها ميليشيات مسلحة ذات ولاء خارجي، وتمويل خارجي، ولا تخضع لقانون الدولة؟

إن استراتيجيا الهيمنة الإيرانية على بعض الدول تقوم على تنفيذ ما تشاء عبر وجود جماعات مسلحة موالية لها، وتفرض أجندتها بالقوة إن شاءت. إن البكاء على الحوثيين من قبل الميليشيات المشابهة والدولة المؤيدة لها، دليل على وحدة الهدف التدميري ووحدة الانتماء الطائفي ووحدة الوهم المشترك.

والميليشيات المتعددة الجنسية: الإيرانية والأفغانية والعراقية واللبنانية، ذات التعصب الديني والمنتشرة في سوريا، والمدعومة من إيران، دليل كافٍ لتأكيد وقوع الدولة تحت رحمة الميليشيات.

والبديل الضروري عن جميع الميليشيات التدميرية هو العقد الوطني للعيش المشترك، والعقد الاجتماعي لإنتاج السلطة. كل كلام يُبقي على الميليشيات مراده استمرار الفوضى المدمرة.

 

 

Email