بيان الأكاذيب

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ أن لاحت في الأفق إشارات فوز جو بادين والديمقراطيين برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، بدأ الحديث حول استحضار ملف حقوق الإنسان في المنطقة العربية، وتعامل بعض الألوان السياسية، وفي مقدمتها جماعة «الإخوان» الإرهابية، وكأن قضية حقوق الإنسان، هي الورقة التي سوف تعيد ما يسمى «الربيع العربي» من جديد، وأنها الورقة التي سترسم سيناريوهات جديدة للفوضى والتخريب، وراحت مراكز التفكير العالمية، تقدم أوراقاً وتحليلات وآراء، لا تستند إلى الواقع والحقيقة، لكنها فقط تعتمد على الأكاذيب والشائعات، بل ونسج قصص من خيالها، لخدمة أهداف وأغراض سياسية يتم التخطيط لها.

ربما يتساءل البعض: لماذا ورقة حقوق الإنسان تحديداً؟

في الحقيقة أنه بعد فشل كل مساعي المتربصين والطامعين في مخططات عام 2011 وما تلاها، فوجئت قوى التخريب بأن المخطط لم يكتمل، وأن العواصم العربية بدأت تتعافى وتستعيد أركان قوتها، فما كان لهم سوى البحث عن أفكار ضاغطة جديدة، ظناً منهم بأنها السبيل الوحيد لإحياء مخطط قديم، ومن ثم، فإن هذه القوى لجأت إلى ورقة حقوق الإنسان في هذا التوقيت، لا سيما أنها أدركت جيداً أن الشعوب العربية تعلمت الدرس، وأيقنت بحقيقة المخطط، ولن تسمح مرة ثانية بهدم مؤسساتها الوطنية، ولن تخرج مرة ثانية إلى الشوارع، لكي تندس وسطها أجندات أخرى لها أهدافها التخريبية.



مراكز الأبحاث العالمية أجرت قياسات للرأي العام العربي، وتوصلت إلى أن الطريقة التقليدية التي تمت بها إدارة ما يسمى «الربيع العربي» عام 2011، لم تعد صالحة للتطبيق مرة ثانية، وبالتالي فإن التلاعب بورقة حقوق الإنسان، ربما من وجهة نظرهم، سيكون سيناريو سهلاً لاستئناف فوضى وتمزيق خرائط العواصم من جديد. هذا فضلاً عن أن المنظرين الواقفين خلف الاتجار بملف حقوق الإنسان، يدركون جيداً أن هذه الورقة تتلامس مع اهتمامات احتياجات المجتمعات، لا يهم صحة ودقة ما تقدمه التقارير، المهم من وجهة نظر أصحابها، هو تأليب الرأي العام، والزحف على مناطق الاستقرار.

إذا تحدثنا مثلاً عن البيان الذي أصدرته بعض دول المجلس الدولي لحقوق الإنسان، تجاه حقوق الإنسان في مصر، فهنا علينا التوقف والتأمل بعمق، لنكتشف مدى حجم الزيف والتلفيق والأكاذيب، والاتجار بهذا الملف.

 ربما يكون سؤالي الأهم: لماذا يصدر هذا البيان ضد مصر الآن؟ وهل راجعت هذه الدول حقوق الإنسان على أراضيها؟! وهل هذه الدول التي تتشدق دائماً بالحريات السياسية، راجعت هذه المفاهيم داخل سجونها المكتظة؟ وهل لدى هذه الدول جميعها مفاهيم منطقية ومقنعة للتفرقة بين الحريات السياسية، التي تنطلق من مفهوم علمي، وبين الانفلات الذي يفضي إلى أعمال إرهابية لا يزال العالم يكتوي بنيرانها ويدفع ثمنها؟

في الواقع، إن من يقرأ سطور هذا البيان لا يحتاج إلى مجهود كبير، لاكتشاف أخطاء منهجية وتحليلية، فمضمون البيان هش ومشوه وغير مترابط، ويتضمن تناقضات شديدة، ويعتمد على روايات من طرف واحد، لا تستند إلى معلومات وحقائق، بل إنها قامت على روايات، معروف عن أصحابها مواقفهم السياسية المسبقة، ولم يكترث أحد من الدول الموقعة على البيان، بأنهم يدافعون عن أجندة جماعات إرهابية وتخريبية، لا تؤمن بأي حق من حقوق الإنسان، بل إنها هي التي تقتل وتفجر، وتحرق وترعى وتدعم الانتحاريين، وتتبني هدم مؤسسات الدولة.

اللافت للنظر أيضاً أن هذه الدول نفسها، اكتوت بنيران من تعتقد أن لهم حقوقاً إنسانية، وفي الحقيقة إن المجتمع يدين هؤلاء الإرهابيين بحقوق الشهداء والمصابين والأرامل واليتامى، والأمهات الثكالى جراء الأعمال الإرهابية لهذه الجماعات.

إن هذا البيان باطل، فليس على هوى تلك الدول عودة الدولة المصرية إلى شعبها وإلى محيطها العربي، إنهم يلعبون بالنيران مع القاهرة، يعرفون مدى أهميتها بالنسبة للعرب والإقليم، وعلينا الانتباه إلى أن هذا البيان المضلل، إنما يستهدف العالم العربي بأكمله، عبر بوابة القاهرة، هؤلاء يجربوننا مرة ثانية، لكن هذه المرة لن يستدلوا على العنوان، فالشعوب صامدة وثابتة وراسخة، ومنسوب الوعي واليقين بأهمية الدولة الوطنية، بات أعلى بكثير مما كان عليه قبل عقد من الآن. فالعواصم العربية لم يعد أمامها سوى رسالة واحدة مفادها، عدم التفريط في الأمن القومي العربي.


* رئيس تحرير «الأهرام العربي»

Email