هل اقترب حل أزمة سد النهضة؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم تشهد العلاقات الثنائية الأخوية بين مصر والسودان زخماً سياسياً وعسكرياً واقتصادياً على مدى الثلاثين عاماً الماضية، مثلما تشهده خلال العامين الأخيرين، وربما خلال الأشهر الخمسة الأخيرة، والتي توجت بزيارة رئاسية هي الأولى للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للخرطوم منذ ثورة ديسمبر 2018، التي أطاحت البشير، وقبلها زيارة رئيس الأركان المصري على رأس وفد يضم عدداً كبيراً من قيادات الجيش المصري، والتي جاءت بعد خمسة أشهر من أضخم مناورات جوية بين مصر والسودان وعلى الأرض السودانية في نوفمبر الماضي، وحملت شعار «نسور النيل 1».

الزيارات المتعددة بين الجانبين عقب قيام ثورة ديسمبر، وعلى أعلى المستويات وآخرها زيارة وزيرة الخارجية السودانية للقاهرة، كانت تؤشر أن العلاقات التاريخية بين القاهرة والخرطوم تدخل مرحلة جديدة من التنامي والتعاون الوثيق، وربطها مراقبون بأزمة سد النهضة التي تتعنت فيها إثيوبيا، وتهدد حياة الملايين من أبناء الشعبين المصري والسوداني، ولذلك كانت أزمة السد سبباً رئيسياً وراء التقارب والتعاون بين الجانبين، إلى جانب الضرورات التاريخية والحقائق الجغرافية والعلاقات الأخوية.

في قمة الخرطوم 6 مارس الحالي، خرج مضمون اللقاء بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس المجلس السيادى السوداني، عبد الفتاح البرهان بشعار واحد.. «أمن مصر والسودان واحد»، مع التأكيد على رفض الجانبين أي إجراءات أحادية في أزمة «سد النهضة».



قضية المياه سارعت إلى لم الشمل والمزيد من التقارب بين القاهرة والخرطوم، لأنها ببساطة مسألة أمن قومى للبلدين.. وأكد السيسي لأبناء السودان بأن مصر ستظل معكم قلباً وقالباً.. واتفق مع رئيس الوزراء السوداني على تفعيل الاتفاقات الاقتصادية المشتركة، مثل الربط الكهربائي والسكك الحديدية.

سنوات طويلة، وتحديداً منذ العام 1995، تراجعت العلاقات المصرية السودانية خطوات كثيرة إلى الوراء، وتوترت في السنوات التي تلت محاولة اغتيال الرئيس الأسبق حسني مبارك. وتحولت العلاقات التي كانت نموذجاً للتعاون والعلاقات الوطيدة، إلى كتلة لهب ومصدر للإزعاج والتوتر والقلق، وتباعدت المسافات في ظل تغلغل «الإخوان» في شرايين نظام الحكم السابق في الخرطوم.

مصر التي لم تتخلَ عن دورها القومي تجاه أشقائها في الجنوب، واستمرت جهودها السياسية والدبلوماسية الحثيثة لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وعدم الاندفاع خلف سياسات العداء وتأزيم العلاقة التاريخية.

الثورة السودانية في ديسمبر 2018، أدركت حقائق التاريخ والجغرافيا، ووحدة المصير بين السودان والجارة والشقيقة الكبرى مصر، فتعددت زيارات من قادة الثورة إلى مصر، وأعلنت القاهرة موقفها المؤيد والداعم للشعب السوداني في تحقيق آماله وطموحاته ومستقبله السياسي، كما تعددت الزيارات المصرية إلى السودان، وتجلت في التعاون العسكري بين الجانبين، وإجراء المناورات الجوية المشتركة في نوفمبر الماضي في الشقيقة السودان.

 المؤشرات في «ترمومتر» العلاقات المصرية السودانية عقب 2018 يؤكد أن مسار العلاقات يشهد «نقلة نوعية»، ثم جاءت الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين لتؤكد وجود إرادة سياسية سيكون لها انعكاسات جيدة على تطوير العلاقات الثنائية مستقبلاً.

 مجمل القول إن زيارة الرئيس السيسي للسودان الشقيق تأتي في مرحلة تاريخية غاية في الأهمية للبلدين، وتحمل الكثير من الرسائل الإيجابية لمستقبل علاقاتهما، لكنها تؤكد في الوقت الراهن حتمية العلاقات القوية بين القاهرة والخرطوم، ورسم خارطة طريق العلاقات مع الجانب الإثيوبي، وتوحيد المواقف تجاه أزمة سد النهضة، وملف الحدود السودانية الإثيوبية.

القاهرة والخرطوم ألقتا بأوراق الحل في الملعب الإثيوبي بضرورة الاتفاق القانوني الملزم حول ملء وتشغيل سد النهضة، بما يُحقق مصالح الدول الثلاث، ويحفظ الحقوق المائية لمصر والسودان، ويحد من أضرار هذا المشروع على دولتي المصب، وإن تنفيذ المرحلة الثانية من ملء السد بشكل أحادي سيشكل تهديداً مباشراً للأمن المائي لكل من مصر والسودان، وليس هناك طريق سوى الالتزام بالاتفاق القانوني، والدخول في المفاوضات الرباعية الدولية التي اقترحتها الخرطوم ووافقت عليها القاهرة. حتى الآن، الخيار الدبلوماسي والسياسي هو المطروح لحل الأزمة. أما الاتفاق العسكري المصري السوداني فقد فرضته متغيرات الوضع الإقليمي.

الزخم والتكثيف في العلاقات بين مصر والسودان يحمل رسائل عديدة، مفادها أن المياه مسألة حياة أو موت للشعبين المصري والسوداني، وانتقاص حقوقهما يمثل تهديداً خطيراً للأمن القومي لدول المصب.

******

الشاعر السوداني الدكتور تاج السر الحسن يلخص حكاية شعب وادي النيل في قصيدته الرائعة المعروفة «أنشودة آسيا وإفريقيا»: «مصر يا أخت بلادي يا شقيقة... يا رياضاً عذبة النبع وريقة.. يا حقيقة.. مصر يا أم جمالٍ أم صابرْ.. ملء روحي أنتِ يا أخت بلادي.. سوف نجتث من الوادي الأعادي».


* مدير تحرير «اليوم السابع» المصرية

 

Email