لماذا مصر والسودان؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم أندهش في الأيام الماضية، من تبادل الزيارات الرسمية المكثفة بين القاهرة والخرطوم. فالتاريخ يقول: إنها العلاقات الطبيعية التي تربط الشعبين، والجغرافيا تقول: إن مصر والسودان شعب واحد في دولتين.

زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال الأيام الماضية إلى السودان، هي زيارة تاريخية، لها أهميتها ودلالاتها على المستويين الشعبي والرسمي.

الرئيس السيسي، يُعيد العلاقات إلى أصلها وطبيعتها. السودان امتداد طبيعي لمصر، وعمق استراتيجي، يمثل الدائرة الأهم للأمن القومي للشعبين.

التحديات كبيرة، والتعقيدات بالغة. في محيط القاهرة والخرطوم، ثمة مخاطر تهدد الاستقرار. القضية الرئيسة، بل والمركزية، تتعلق بالوجود والحياة، قضية المياه التي تتعرض الآن لأكبر تهديد يمس الأمن القومي المائي. المصير واحد، والقضية مشتركة. اللحظة لا تقبل أنصاف الحلول.

الجانب السوداني يدرك جيداً، أهمية أن يضع يده في يد مصر، لمواجهة تحدي الطرف الثالث «الجانب الإثيوبي». نعم القاهرة والخرطوم «في خندق واحد»، لا توجد خيارات سوى الوحدة والتماسك، من أجل الحفاظ وصون حقوق البلدين.



التباطؤ في مواجهة الأخطار، يزيد من حجم التهديد، فنحن أمام ملفات غاية في الأهمية، تتعلق، ليس فقط بالأمن القومي المصري والسودان، بل إنها تصب في عمق استقرار خرائط الأمن القومي العربي والأفريقي، عبر حوض البحر الأحمر والقرن الأفريقي، ولهذا تحرص مصر دائماً على تحقيق ونشر السلام والاستقرار في ربوع السودان، الذي من شأنه أن ينعكس على المنطقة بنتائج إيجابية، وإذا أضفنا إلى التحديات السابقة، قضية مواجهة التنظيمات الإرهابية والجماعات المسلحة، يتأكد لنا أن هذا الترابط الأزلي المتوارث، لا يمكن للقاهرة والخرطوم أن يعيشا من دونه.

الحسابات الإقليمية والدولية المعقدة، تفرض على الطاولة المصرية - السودانية، ضرورة تنسيق المواقف، وترتيب الأولويات وتوافق الرؤى، وصياغة الأهداف الواضحة للوصول إلى نتيجة مشتركة، تحقق مصالح وآمال الشعبين.

من يقرأ أولويات الدولة المصرية، يتيقن أن الرئيس عبد الفتاح السيسي، منذ أن تولى مهمة القيادة، وهو يضع السودان في مكانة خاصة، وأولوية قصوى، فقد حرص الرئيس السيسي، على تقديم كل الدعم والمساندة للشعب السوداني الشقيق، طوال السنوات الماضية، وهنا، أتذكر أنه في ديسمبر من عام 2018، وتحديداً عندما اندلعت الانتفاضة السودانية ضد حكم الرئيس السابق عمر البشير، فقد جاء القرار المصري، مؤكداً احترام خيارات الشعب السوداني، هذا فضلاً عن أن مصر لم تبخل يوماً ما بخبراتها عن دعم الأشقاء في السودان، لتجاوز أزماته، ويكفي أن نتوقف أمام الدعم الكامل وغير المشروط، الذي قدمته القاهرة لإنجاح المرحلة الانتقالية الحالية في السودان، وبذل الجهود لتجاوز الخلافات، وتشكيل سلطة انتقالية، لتمهيد الطريق نحو انتخاب حكومة مدنية، تمثلت في رعاية الوساطة المباشرة لتجميع أطراف الأزمة.

 يتزامن مع هذه الجهود، الدور الكبير الذي لعبته القاهرة مع المجتمع الدولي، لرفع اسم الخرطوم من قائمة الدول التي ترعى الإرهاب، الأمر الذي أعاد السودان إلى محيطه الدولي.

أما التحدي الأكبر الذي يواجه مصر والسودان، فهو الذي يمس صميم المصالح الحيوية لدولتي المصب، ويتعلق بملف سد النهضة، والإجراءات الأحادية التي يقوم بها الجانب الإثيوبي، ظناً منه بفرض سياسة الأمر الواقع، وهنا، لا بد من التأكيد على أن الترابط المصري - السوداني، هو الضمانة الوحيدة للحفاظ على حقوق ومكتسبات الشعبين، والوصول إلى اتفاق عادل ومتوازن وملزم قانوناً، بشأن ملء وتشغيل سد النهضة، فمصر والسودان، يحترمان حق إثيوبيا في التنمية، لكن أيضاً على إثيوبيا أن تحترم حق شعب دولتي المصب في الحياة. لا سيما أن القاهرة والخرطوم، خلال عشر سنوات من المفاوضات، نفد رصيدهما من الصبر.

* رئيس تحرير «الأهرام العربي»

 

Email