لا مجد لكاتم صوت

ت + ت - الحجم الطبيعي

أعرب «حزب الله» في أول تعليق منه على قضية اغتيال الناشط اللبناني لقمان سليم عن استنكاره، داعياً السلطات إلى معاقبة منفذي الجريمة، وطالب الحزب «الأجهزة القضائية والأمنية ‏المختصة بالعمل سريعاً على كشف المرتكبين ومعاقبتهم»!

البيان أصدره الحزب في أعقاب اغتيال الناشط اللبناني الشيعي المعروف بانتقاده «حزب الله»، بعد أن عثر عليه مقتولاً بمسدس كاتم للصوت في سيارة بجنوب لبنان يوم الخميس قبل الماضي، في عملية أعادت إلى الأذهان هذه العمليات التي كانت قد توقفت قبل سنوات. الجثة التي عثر عليها في سيارة القتيل كان بها أربع رصاصات في الرأس وواحدة في الظهر. منسق الأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش طالب بإجراء «تحقيق سريع وشفاف» في الحادث. كما صدرت مطالبات عديدة من أعلى المستويات بإجراء «تحقيق سريع وشفاف» لكشف ملابسات الجريمة، وملاحقة الفاعلين، والقبض عليهم، وإحالتهم إلى القضاء بأسرع وقت ممكن.

«تحقيق سريع وشفاف» هو أكثر ما يثير الضحك، رغم مأساوية الحادث الذي لا يثير ضحكاً من أي نوع على الإطلاق، لأن العبارة تذكّرنا بعمليات «تحقيق سريعة وشفافة» سابقة، وما ترتّب عليها من نتائج. فقبل 16 عاماً، في 14 فبراير 2005 على وجه التحديد، تم اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري أثناء مرور موكبه بالقرب من فندق «سان جورج» في بيروت، وقُتِل في الحادث 21 شخصاً من بينهم وزير الاقتصاد اللبناني الأسبق باسل فليحان، والعديد من حراس الحريري وأحد أصدقائه. حادث الاغتيال تم بتفجير استُخدِم فيه ما يعادل 1000 كيلوغرام من مادة «تي إن تي». بعد اغتيال رفيق الحريري مباشرة دعت جهات محلية وإقليمية ودولية، من بينها الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة، إلى إجراء «تحقيق سريع وشفاف» لكشف ملابسات الجريمة، وملاحقة الفاعلين، والقبض عليهم، وإحالتهم إلى القضاء بأسرع وقت ممكن. واستجابةً لهذه الدعوات اتفقت الحكومة اللبنانية مع الأمم المتحدة على تشكيل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، واستبشر الجميع خيراً. ثم ماذا حدث بعد ذلك؟

على مدى أكثر من 15 عاماً كان «التحقيق السريع والشفاف» يجري على قدم وساق، ليتكلل بإصدار المحكمة الدولية حكمها في القضية، التي كاد ينساها الناس، بتاريخ 18 أغسطس من العام الماضي 2020. فهل ارتاحت روح الحريري وأرواح رفاقه في قبورهم، بعد أن قضت المحكمة الدولية بإدانة المسؤول العسكري في حزب الله، سليم عياش، بقتل الحريري والذين ذهبوا ضحية التفجير، وهل تم تنفيذ حكم المحكمة، أم ماذا حدث؟

سليم عياش، الذي قضت المحكمة الدولية بإدانته في الجريمة، ما زال حراً طليقاً حتى اليوم، ومسلسل الاغتيالات في لبنان لم يتوقف أيضاً حتى اليوم، ومن بين ضحاياها حتى الآن: سمير قصير، وجورج حاوي، وجبران غسان تويني، وبيار أمين الجميل، ووليد عيدو.. وأخيراً وليس آخراً لقمان سليم. كما جرت محاولات لاغتيال كل من إلياس المر، ومروان حمادة، ومي شدياق، وسمير شحادة، الذي كان يحقق في قضية اغتيال الحريري.

تحليلات كثيرة ظهرت بعد حادث الاغتيال ومن يقف وراءه، من بينها اتهام الموساد باغتيال الناشط المعارض لـ «حزب الله»، وتوظيف الحادث في حرب التحريض وإظهار «المقاومة» على أنها حركة قمعية أو «ميليشيا» تلجأ إلى تصفية من يخالفها، لا سمح الله، مثلما جاء في أحد المقالات على موقع إحدى القنوات اللبنانية المعروفة بتوجهها وانتمائها ومصدر تمويلها، أو اتهام الناشط المغدور بأنه عميل لإسرائيل، وقد تخلصت منه بعد أن انتهت مهمته، كما جاء على موقع إحدى الجرائد الإلكترونية، «إذ لطالما تخلصت تل أبيب، ومثلها واشنطن، من عملاء انتهت مهمتهم، أو بات قتلهم مجزياً أكثر من وجودهم على قيد الحياة» مثلما جاء في مقال على الموقع.

جدير بالذكر أن لقمان سليم كان قد صرح قبل اغتياله بأنه تعرض لتهديدات من قبل حزب الله، وحمّل أمينه العام ما قد يتعرض له هو أو زوجته أو منزله أو دارة العائلة أو أي من أفراد العائلة أو القاطنين في الدارة عما جرى وسيجري. وإذا صحت نظرية المدافعين عن «حزب الله» بأن إسرائيل هي المسؤولة عن اغتيال لقمان سليم، فهذا يعني أن إسرائيل أداة في يد الحزب تنفذ له تهديداته، أو أن هناك مصلحة مشتركة بين الحزب وإسرائيل، وكلا الأمرين لا يتفقان مع الصورة التي يقدم بها نفسه.

يبقى أنه لا مجد لكاتم صوت أمام روح إنسان تزهق بدم بارد لإسكات صوته.

* كاتب وإعلامي إماراتي

Email