مسارات وزراء الخارجية العرب

ت + ت - الحجم الطبيعي

 وسط التحديات التي تتحرك صوب المنطقة في الفترة المقبلة، ثمة أجواء إيجابية، لاحظناها أثناء مداولات وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الطارئ الذي عقد في القاهرة، الاثنين الماضي.

فللمرة الأولى يحضر 16 وزيراً، وذلك منذ جائحة «كورونا»، الأمر الذي يؤكد أن هناك إرادة سياسية عربية للعمل بطريقة مختلفة، والتعامل مع القضايا العربية، وفق آليات جماعية، تقوم على الوحدة وليس التفرقة، تفك الأزمات ولا تصنعها، تعمل باستراتيجية التكامل، وليس التفاضل.

وهذه الروح التي ظهرت خلال المداولات، والبيان الختامي الصادر عن الوزراء، واتفاقهم على لقاء تشاوري «غير رسمي» كل ثلاثة أشهر، إنما تعكس إصرار الدول العربية على تبني رؤى موحدة، وسياسات متقاربة للتعامل مع التحديات الحالية والمحتملة في الفترة المقبلة، سيما أننا أمام حالة سيولة سياسية على المستويين الدولي والإقليمي.

قوى تحاول إعادة تموضعها من جديد، وأخرى تبذل جهداً كبيراً للتشبث بما حققته من مكاسب خلال الفترة الماضية. الصورة ليست كاملة، في التعامل مع قضايا منطقة الشرق الأوسط.

هذه الروح التي رسمها وزراء الخارجية العرب، تؤكد أننا أمام استراتيجية التحرك من مساحات رد الفعل، إلى دوائر المبادأة والمبادرة، وهو ما اتضح جلياً عبر اتفاق الدول العربية على خارطة طريق، ومسارات جديدة أكثر وضوحاً للتعامل مع العديد من القضايا، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.

وهذا التوجه العربي يضعنا أمام متغير مهم في آليات التعاطي العربي مع الأزمات، ويؤشر على قدرة الدول العربية على وضع نموذج سياسي، تكون فيه الدول العربية هي المحرك الرئيسي، وقوة الدفع الأساسية، وليس الأفكار المستوردة من الخارج.

من الملاحظات التي استوقفتني، أثناء اجتماع وزراء الخارجية العرب، أن هذا الاجتماع اتسم بعمق النقاش، ورحابة الصدر، وترتيب الأولويات، وهو ما أسهم في إيجاد حالة من التوافق الكامل بشأن أجندة العرب، استعداداً للمرحلة المقبلة، سيما أن وحدة العرب، باتت هي المخرج الوحيد لحماية الأمن القومي العربي، والحفاظ عليه من محاولات التربص التي تحاك ضده في مختلف الاتجاهات.

ما يؤكد حكمة المسارات الجديدة لوزراء الخارجية العرب، هو الموقف الواضح والقاطع من القضية الفلسطينية، تلك القضية المركزية للأمة العربية، وللمرة الأولى يتم التوافق على صيغة المسارات التي سوف يسلكها الفلسطينيون والعرب معاً، من أجل استخلاص حقوق الشعب الفلسطيني.

وذلك عبر دعم استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، التي توقفت منذ أبريل 2014، هذا فضلاً، عن التوافق القوي حول دعم الحوار «الفلسطيني - الفلسطيني» للتوصل لرؤية مشتركة حول الانتخابات الفلسطينية بدوائرها المتعددة سواء كانت رئاسية أم تشريعية.

الملاحظ أيضاً، في قراءة تفاصيل اجتماع وزراء الخارجية العرب هو، توقفهم أمام الإشارات الإيجابية الصادرة من الإدارة الأمريكية الجديدة، والمتعلقة بإعادة الدعم لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وإعادة فتح مقر منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وإعادة التواصل بين السلطة الفلسطينية وإدارة بايدن، وهو ما يؤكد وجود قواسم مشتركة، يمكن الانطلاق منها، والعمل عليها قبل انعقاد القمة العربية المقبلة.

هذا التحرك الحيوي من الوزراء العرب، بمثابة تجهيز للمسرح السياسي، للتعاطي بجدية مع القضية الفلسطينية، بعد أن غابت عن الأجندة الدولية على مدار السنوات الخمس الماضية.

اللافت للنظر، أنه رغم أن لقاء الوزراء العرب، كان هدفه القضية الفلسطينية، فإن اللقاء التشاوري الذي انعقد قبل الاجتماع الرسمي، شهد مناقشات صريحة وعميقة حول أبرز الملفات العربية، وفي مقدمتها الملفان الليبي واليمني.

إذن الشواهد التي شهدناها خلال اجتماع الوزراء العرب، بمثابة مرحلة جديدة، بآليات واستراتيجيات مغايرة، نأمل أن تكون نتائجها وثمارها أيضاً مختلفة، لتصب في صالح الشعوب العربية والأمن القومي العربي.

* رئيس تحرير «الأهرام العربي»

 
Email