ذراع التضامن والتكافل

ت + ت - الحجم الطبيعي

يخشى البعض أن يحمل عام 2021 اسم «عام عدم المساواة»، وذلك في أعقاب عام الصدمة عام الوباء. ويجتهد البعض الآخر من أجل أن يكون العام هو عام تحقيق قدر من العدالة وما تيسر من مساواة، إن لم يكن في أغلب الحقوق، ففي حق الحصول على فرص متساوية للبقاء على قيد الحياة دون مرض، أو قدر الإمكان.

مؤسسة «أوكسفام الخيرية» استبقت الأحداث، أو ربما استشرفتها، وقالت في تقرير أصدرته ويحمل عنواناً كاشفاً هو «فيروس عدم المساواة» أن 540 مليار دولار أمريكي أضيفت إلى ثروات عشرة أشخاص فقط في عام الوباء. ربنا يزيد ويبارك بالطبع، لكن الزيادة لا تتحقق بالاكتناز، والبركة لا تحل بالاستئثار، لا سيما في أزمنة الكوارث والأزمات.

هذه المليارات - بحسب التقرير - تكفي لحماية سكان الأرض من الوباء. بمعنى آخر، فإن الـ 540 ملياراً تكفي لتوفير اللقاح للجميع وحماية الفئات الأكثر احتياجاً من الوقوع في المزيد من براثن الفقر الشديد، لا سيما وأن التوقعات الاقتصادية تشير إلى أن التعافي من الفقر الناجم عن الوباء قد يستغرق عقداً كاملاً.

وهذا يعني بالتبعية أن جهود أعوام كثيرة مضت من التنمية ومحاربة الفقر. وهذه الخسارة لن تكتفي بإلقاء ظلالها الثقيلة والمؤذية على القابعين على وأسفل خط الفقر، بل ستنال الجميع بدرجات متفاوتة، وبأشكال متعددة. لماذا؟ لأن الفقر معد.

ولأن العدوى لا تفكر مرتين قبل أن تضرب ضربتها. كما أنها لا تمتثل للأبواب المغلقة أو القلاع المشيدة. ويخبرنا العلم أن السبيل الأمثل والأضمن لتحقيق أكبر قدر ممكن من الوقاية للجميع هو تحصين الجميع، سواء أولئك القابعين خلف الأبواب المصفحة أو غير القادرين على بناء أبواب من الأصل.

والأصل في الإنسانية هو التضامن والتكافل. والمسألة ليست مجرد إخراج مبالغ من جيب من يملك ليد من لا يملك، لكنها أداء لواجب إنساني وأخلاقي. وقوف الطواقم الطبية في الصفوف الأولى المتعاملة مع الوباء واجب إنساني وأخلاقي قبل أن يكون عملاً أو مهنة يقوم بها أصحابها.

بقاء جيوش الباحثين والمبتكرين في المعامل البحثية للوصول إلى لقاح وتطويره وتجهيزه واجب إنساني وأخلاقي. حتى تطوع البعض للخضوع للتجارب السريرية واجب إنساني وأخلاقي. وانحياز دول في عز الأزمة لمقاسمة ما تملك من خبرة أو مال مع غيرها من الدول الأقل حظاً هو واجب إنساني وأخلاقي.

هذا الواجب الإنساني والأخلاقي في الظروف الآنية ليس معونة لتحقيق مكاسب سياسية، أو دعماً للاستثمار في متطلعات اقتصادية، لكنه بكل بساطة إنقاذ للنفس والغير.

على مدى الأشهر القليلة الماضية، قدمت مصر مساعدات طبية عدة لنحو 30 دولة إفريقية بقيمة أربعة ملايين دولار لمساعدتها على احتواء التحديات الناجمة عن الوباء. وقبل أيام قليلة فعلت الشيء نفسه مع الأردن عبر إرسال طائرة مساعدات طبية للأردن. وعلى مدار عام الوباء الذي مضى، وصلت مساعدات طبية مصرية لعدد من الدول في لحظات فارقة من تفاقم الوباء.

تفاقم الوباء وتعثر وتعذر الإمدادات دفع إمارات الخير كعادتها إلى المضي قدماً في سياساتها الإنسانية. فمن محطة لإنتاج الأكسجين في غزة، إلى إرسال مساعدات طبية من أجهزة تنفس صناعي ومعدات طبية أخرى، إلى جسر جوي يحمل إمدادات طبية للشيشان، إلى مساعدات إنسانية عاجلة للمتضررين من زلزال إندونيسيا، إلى مساعدات إنسانية للاجئين والأيتام في الأردن، إلى مركز للغسيل الكلوي في أرض الصومال، والقائمة طويلة.

طول القوائم لا يعني إلا اعتناقاً لمبادئ الواجبات الأخلاقية والإنسانية التي لا تقيد نفسها بالمردودات السياسية وانتظار العوائد النفعية، لكنها تعني رغبة أكيدة في إنقاذ الجميع، لأن الجميع في مركب واحد.

المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط «إمرو» الدكتور أحمد المنظري، قال قبل أيام إن عام 2020 كان عاماً مأساوياً بسبب جائحة عالمية ما زالت تدمر حياة الناس وسبل عيشهم، وتبث في طريقها الخوف والحزن.

وحذر من قرب وصول العالم إلى «المرحلة القاتمة» المتمثلة في وصول عدد الإصابات إلى مئة مليون، خمسة ملايين منها في إقليمنا العربي، بالإضافة إلى إيران. وأشار المنظري إلى النجاح الذي حققه مركز «إمرو» للإمدادات اللوجستية في دبي من فعالية وضمان لتوصيل الإمدادات الأساسية لكل دول الإقليم، لا سيما تلك التي تواجه حالات الطوارئ.

النجاحات في مواجهة «عام الوباء» كثيرة، لكن التحديات لمنع تحول العام الجاري إلى «عام عدم المساواة» أيضاً كثيرة.

تقرير «أوكسفام» يشير إلى أهمية فرض ضرائب على الثروات، والنظر في ضرائب الشركات باعتبارها وسائل جيدة لجمع ملايين الدولارات التي تساهم في إنقاذ ملايين البشر، ومساعدة ملايين أخرى على عدم الوقوع في المزيد من الفقر، وهي ذراع جيدة لتحقيق قدر أكبر من العدالة والمساواة الجديرة بمواثيق حقوق الإنسان، لكن يظل الواجب الإنساني والأخلاقي الذراع الأخرى النابعة من قيم التضامن والتكافل الجديرة بالإنسانية.

 

 

Email