قمة التوقيت الفاصل

ت + ت - الحجم الطبيعي

التوقيت فارق وفاصل، الزيارة تتواكب جيداً مع المتغيّرات الإقليمية والدولية. القاهرة - عمّان، علاقات تاريخية، صفحاتها شاهد على الهموم العربية. الجغرافية السياسية للعاصمتين، تفرض عليهما واجباً ومسؤوليات خاصة.

المباحثات التي جرت الاثنين الماضي «18 يناير» بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والملك عبد الله الثاني بن الحسين، ملك المملكة الأردنية الهاشمية، لم تكن عادية، فقد تناولت قضايا مركزية في توقيت فاصل على المستويين العالمي والعربي.

عالمياً، تزامنت هذه المباحثات مع تحولات استثنائية تعيشها الولايات المتحدة الأمريكية، ليس فقط مجرّد تولّي رئيس جديد منتخب، لكن التحولات في الداخل الأمريكي، صكّت أختاماً من قاموس الفوضى في سجلات الساكن الجديد للبيت الأبيض.

هذه الأحداث قطعاً، ستكون لها ظلال وامتدادات على المنطقة والشرق الأوسط، أيضاً ليس نفس التوقيت بعيداً عن حالة عدم اليقين التي تعيشها أوروبا وسط التهديد القوى لكوفيد 19، والأمواج العاتية لمطالب الشعبويين بالانفصال عن الاتحاد الأوروبي.

أما على صعيد المنطقة العربية، فتأتي هذه المباحثات وسط أجواء غاية في التعقيد، فيروس «كورونا» ضاغط على جميع التحرّكات، خسائره متصاعدة، إعادة النظر في الأوضاع الاقتصادية تعيد صياغة الترتيبات السياسية، أيضاً تعيش المنطقة، لا سيما «الرباعي العربي» حالة ما بعد أجواء المصالحة العربية. إذن نحن أمام زيارة استثنائية، تحيط بها التحديات من مختلف الجوانب، ورغم ذلك فإن هذه القمة المصرية - الأردنية أثمرت عن عدة رسائل غاية في الأهمية على مختلف الأصعدة، يأتي في مقدمتها ما يلي:

- إن الدولة المصرية تحرص دائماً على الحفاظ على الثوابت التاريخية تجاه الدول الشقيقة، والعمل العربي المشترك من أجل خدمة المصالح العربية وتقوية مناعة الأمن القومي العربي.

- هذه القمة في هذا التوقيت تؤكد الإرادة السياسية لدى الزعيمين في تعزيز وتقوية العلاقات الثنائية الممتدة عبر التاريخ منذ أيام الفراعنة حتى هذه اللحظة.

- أيضاً هذه المباحثات بين الزعيمين تؤكد عمق الاهتمام بالقضايا والملفات العربية العالقة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. وهنا، لابد من وقفة مهمة تقول: إن هذه التحركات المصرية - الأردنية بهذا الزخم، تؤكد أن شيئاً ما في الأفق الفلسطيني، سيقود إلى تحولات إيجابية غير مسبوقة في مسار القضية الفلسطينية، وهذا ما لمسناه خلال لقاء وزراء خارجية مصر والأردن وألمانيا وفرنسا «مجموعة ميونيخ» للمرة الرابعة هذا الشهر، فضلاً عن زيارة الوزير عباس كامل، رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية، ولقائه الرئيس محمود عباس «أبو مازن» بحضور رئيسي جهازي المخابرات الأردني والفلسطيني، والترحيب بخطوة الرئيس الفلسطيني بإجراء الانتخابات التي توقفت منذ 15 عاماً.

وفي نفس الأجواء، تشير التحركات إلى أفق آخر أكثر رحابة حول التقارب بين «فتح» و«حماس»، كل هذه الأجواء سبقتها الزيارة المهمة التي جمعت الملك عبد الله والشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، التي تناولت سبل إرساء الاستقرار والأمن في المنطقة.

إلى ذلك تضمنت المباحثات المصرية - الأردنية، ضرورة حشد الرأي العام للمجتمع الدولي، لمواجهة الإرهاب والتنظيمات المتطرفة التي باتت تهدد العالم أجمع، لا سيما في ظل وجود معلومات تؤكد تنامي نشاط هذه التنظيمات الإرهابية واستغلالها جائحة «كورونا»، وهذا ما قاد المباحثات إلى الاتفاق حول تبادل المعلومات بين الأجهزة الاستخباراتية بشأن العناصر الإرهابية العابرة للحدود، التي تقتضي تعاوناً بين الدول يكون أيضاً عابراً للحدود.

طاولة المباحثات المصرية - الأردنية، كانت أيضاً عامرة بملفات مصيرية، في مقدمتها الملفان الليبي والسوري، من أجل تثبيت أركان هاتين الدولتين، والحفاظ على مؤسساتهما وهويتهما العربية والوطنية، وحمايتهما من التدخّلات الخارجية، والجماعات الإرهابية، بما يعيد ترتيب أوراق العمل العربي المشترك، في ظل توجه مصر والأردن والعراق لبدء مرحلة جديدة من التنسيق الثلاثي، الذي يشكل منصة نحو التكامل العربي في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.

* رئيس تحرير «الأهرام العربي»

Email