الالتزام بالتطعيم مسؤولية وطنية

ت + ت - الحجم الطبيعي

المطلع على تاريخ الأوبئة واللقاحات والطب بشكل عام يدرك تماماً كيف غيّرت اللقاحات والتطعيم الجماعي حياة البشرية، حيث أصبحت اللقاحات هي الحل الوحيد والسريع لمنع تفشي الأمراض والأوبئة عبر الزمن على نطاق واسع؛ كالجدري، وشلل الأطفال، والحصبة، والملاريا، وغيرها من الأمراض والأوبئة، ما ساعد على نجاة مئات الآلاف من البشر في التاريخ الحديث من فتك الأمراض.

وما اللقاح إلّا مستحضرٌ بيولوجي، يقدِّم المناعةَ الفاعلة المكتسبة تجاه مرض معين، ويحتوي اللقاح بشكل نموذجي على وسيط يشبه العناصر العضوية الدقيقة المسببة للمرض، وغالباً ما يُحَضَّر من الأشكال المضعَّفة أو المقتولة للجرثوم أو الفيروس، أو من سمومه، أو أحد بروتيناته السطحية، فيقوم هذا الوسيط الضعيف بتهييج الجهاز المناعي للجسم فيتعرف إلى هذا الجرثوم كمهدد له ويقوم بتدميره، ويحتفظ بنسخةٍ منه، كي يستطيع الجهاز المناعي التعرفَ إليه مستقبلاً، ويحطمه بسهولة إذا هاجمه.

أما ما تعيشه البشرية اليوم بعد تفشي جائحة كورونا، فقد جعلنا نستذكر ما مرَّ به العالم من حملات تطعيم واسعة ضد بعض الأوبئة، وأشعرنا هذا بمدَى أهمية الالتزام بالتطعيم كواجبٍ وطني وحسٍّ مسؤول، من أجل الحفاظ على صحة الجميع، والمحافظة على استقرار المجتمع.

وفي الوقت الذي بدأت فيه دول عِدّة حملات التطعيم، كان عددٌ من قادة العالم يتقدمون الصفوف لأخذ اللقاح، تشجيعاً منهم لمواطنيهم، وزرع الطمأنينة في المجتمعات لأخذ اللقاح من غير تباطؤ، سعياً للعودة السريعة إلى الحياة الطبيعية، في ظل الصحة العامة والسلامة.

وبالتزامن مع انطلاق حملات التطعيم ضد فيروس كورونا في عدد من بلدان العالم انطلقت في دولة الإمارات العربية المتحدة حملةُ التطعيم باللقاح ضد الفيروس، وشملت الحملة المواطنين والمقيمين على حدٍّ سواء، وهذا مما يبرز جليّاً اهتمام القيادة الرشيدة بالحفاظ على أرواحِ البشر، في إطار خفض التعايش مع الفيروس، والتأكيد على أهمية إبقاء عجلة الحياة مستمرةَ الدوران.

ونظراً لما اكتسبته دولة الإمارات من السمعة الطيبة، في مجال السياحة، والصحة، والتصدي للكوارث والأزمات، فقد أصبحت وُجهةً متميزةً على كل الأصعدة، ولهذا غدت تستقبل أفواجاً كبيرة من ناشدي السياحة والاستجمام، وفي موسم هذا الشتاء أقبل إلى الإمارات عددٌ من أثرياء العالم ونجومه ومشاهيره لتلقي لقاح كورونا، وللسياحة في آن واحد، ولا سيما من البلدان التي اقتصر التطعيم فيها ابتداءً على فئات بعينها، كفئة العاملين في المجال الصحي، وفئة كبار السن، مع إغلاق عام لوسائل العيش والترفيه، وقد وصفت صحيفة «فايننشال تايمز» مدينةَ دبي بالوجهة السياحية المفضلة التي يقصدها أشهر شخصيات العالم: من نجومٍ، ولاعبي كرة قدم، ومؤثرين، وغيرهم، كما شهدت دبي تدفُّـقاً للسياح من روسيا ودول أوروبا كفرنسا وبريطانيا وغيرها في مطلع عام 2021م بحسب ما ذكرته الصحيفة، وهم يتمكنون من الاستمتاع بالسواحل الدافئة، والمطاعم ومختلف المناطق الترفيهية مع الالتزام بإجراءات التباعد الجسدي.

ومن الجدير بالذكر أنّ دولة الإمارات العربية المتحدة قد حرصت على أنْ تكون سبّاقة في هذا المجال، ولذا عملت مع بعض الشركاء على تحضير اللقاح وتوفيره على نطاق واسع، وأتاحتْهُ بشكلٍ مجانيٍّ لشرائح المجتمع كافة، منذ بداية شهر أكتوبر 2020، وبأفضل المعايير العالمية، وفي وقت زمني قصير، وهذا بحدِّ ذاته يعدُّ إنجازاً كبيراً يضاف إلى منجزاتٍ كثيرة قامت بها دولة الإمارات، في حين تنتظر كثيرٌ من الدول الأخرى توافر اللقاح في السوق العالمية، وتحتاج لأبسط معايير السلامة، في وقتٍ يُعدّ فيه التطعيم ضد الفيروس هو الخيار الأمثل للحفاظ على الصحة العامة، وإيقاف انتشار الوباء، والحدّ من العقبات التي سببها للقطاعات الصحية والاجتماعية والاقتصادية، فكلما ارتفع عدد الأشخاص المحصنين باللقاح قلَّت فرصُ العدوَى، وعادت حياة الناس إلى طبيعتها المعتادة قبل الجائحة، وفي هذا الإطار تجب الإشارة إلى رسالة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، إذ قال: «قطعَتِ الإماراتُ شـوطاً مهـمّاً في السيطرة على الوباء، الذي تسبب به فيروس كورونا، واليوم نحن ثاني دولةٍ عالـميّاً في سباق التطعيم، جهود مقدّرة ومشكورة لجميع فرق العمل، ورسالتي للجميع أنْ يسارعَ للتطعيم، لأنّه حماية للصحة، وحماية للاقتصاد، وحماية لمكتسباتنا، وتسريع لتعافي بلادنا الكامل بإذن الله»، والإشارة إلى ما أعرب به صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولـيّ عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حيث قال: «بجهود فخر الإمارات الأبيض، نجحنا في تقديم أكثر من مليون و275 ألف جرعة لقاح إلى المواطنين والمقيمين في الدولة.. وهذا يؤكد نجاحَ سير عملية التطعيم ضد (كورونا)، نشكر القائمين عليها ونقدّر جهودَهم، بتكاتف الجميع سنصل إلى المعدلات المستهدفة سريعاً، ونمضي إلى طريق التعافي الكامل بعون الله».

*مدير جامعة الوصل

Email