تفاءلوا بالخير في 2021

ت + ت - الحجم الطبيعي

البدايات مبشّرة بالخير. وإذا كان المتفائل بالخير يجده، فإن القادر على التفكير والتخطيط والتدبير واتخاذ خطوات فعلية مبنيّة على علم ومعرفة سيكون تفاؤله مستداماً وصلباً.

العام الصعب المنصرم لم يترك لنا فيروساً غامضاً و1.87 مليون وفاة و86.5 مليون إصابة وتلالاً من الفقد والخسارة فقط، لكنه ترك لنا فرصاً ذهبية لإعادة اكتشاف إمكانات مختبئة وفرص كامنة، وإعادة تنسيق تفاصيل الحياة، وإعادة ترتيب البيوت من الداخل ومن الخارج.

وتمضي الأيام الأولى من العام الجديد 2021، والفيروس مازال مهيمناً ومشتداً بموجته الثانية وملوّحاً بسلالات مراوغة. لكن الأيام الأولى حملت أيضاً مؤشّرات تغيّرات إيجابية وعلامات تطور تدل على أن من رحم المصائب والكوارث يولد الإبداع والابتكار والقدرات البشرية على اقتناص الفرص من قلب الأزمات.

الأزمات العديدة التي تعيشها المنطقة العربية متنوعة المصادر والأسباب. فهي لا تقف عند حدود الأزمات الصحية التي طرأت جراء وباء «كوفيد19»، لكنها تعود إلى صراعات واقتتالات تتخذ طابعاً عقائدياً تارة، وتخضع لإملاءات سياسية تارة داخلية وخارجية تارة أخرى.

ويمكن القول إن تداعيات الأزمة التي ألمّت بالعالم العربي، والتي تمتد جذورها إلى السنوات الأولى لما يعرف بـ«الربيع العربي»، ألقت بظلال ثقيلة نافست ظلال «كوفيد19» الوخيمة في ضررها عربياً. والبشائر الأولى التي تهب علينا من «قمة العلا» تبشر بخير يرتبط أولاً وأخيراً بعمل أكثر وإبداء التزام حتمي واتخاذ خطوات فعلية لبناء الثقة والشفافية، وذلك لضمان تأكيد مسيرة المصالحة واستدامتها.

الأمل في استدامة الاستقرار والتعاون ليست البشائر الوحيدة في 2021. إذ يوجد حالياً نحو مئة لقاح لـ«كوفيد19» في مراحل مختلفة من التجارب. بعضها حصل على الموافقة وتم طرحه، والبعض الآخر يخوض مرحلة الترخيص للتداول في الطوارئ. ورغم أن اللقاحات ما زالت في أول الطريق لمواجهة فيروس مازال يكتنفه الكثير من الغموض، إلا أن سرعة الخروج بتركيبات للقاحات تخبرنا أن العلم والبحث والابتكار سبيل البشرية للخروج من الكوارث.

ويشار هنا إلى قدرة العديد من الدول العربية على تأمين قدر جيد من اللقاحات لشعوبها، مع بدء حملات التطعيم في دول مثل الإمارات والبحرين والسعودية والكويت وقطر وعمان. وحصلت أو أوشكت دول مثل مصر والمغرب والسودان والعراق والأردن وليبيا وتونس والجزائر وموريتانيا على الحصول على اللقاح، وهو ما يبشر بالخير ويعكس قدرة على التخطيط والتفاوض، وتأمين جانب من الاحتياجات في ظل الظروف الصحية والاقتصادية بالغة الصعوبة في العالم.

العالم في 2021 تيقن أن عليه أن يتغير. ففي التغيير حياة ونجاة، وفي إبقاء الوضع على ما هو عليه جمود وموت. الخروج بمنصات تعليمية رقمية عربية عاجلة في خلال أسابيع قليلة بعد تفشي الوباء كان تشبثاً بالحياة. ربما شابها ضعف أو قصور أو عدم إتاحة للجميع، لكنها كانت قبلة حياة للعملية التعليمية العربية. دول عربية عدة أظهر جاهزية رقمية أعلى مع قدوم العام الدراسي الجديد في أواخر 2020.

لكن اللافت أيضاً هو هذه الدرجة الجيدة من الليونة والاستعدادية التي أبدتها وزارات ومؤسسات التعليم في العديد من الدول العربية للتعامل والتفاعل مع الفيروس وموجاته ومتطلباته الوقائية. فالملاحظ أن قرارات تعليق الدراسة في المدارس والتحول إلى التعليم «أون لاين» يتم هذه الآونة بقدر أعلى من اليسر والنظام والسلاسة مقارنة بالعام الدراسي الماضي.

بالطبع، تبقى هناك معضلات تستوجب المواجهة. لكن حتى هذه المعضلات فيها فرص جديدة. منظمة «يونسيف» تحدثت قبل أيام عن الفجوة الرقمية العربية وفرص إصلاح التعليم. واعتبرت أن «كوفيد19» فرصة لسد هذه الفجوة لأن كل طفل عربي يستحق فرصاً متكافئة للوصول إلى التعليم.

الفرص المتكافئة للوصول إلى التعليم في منطقتنا تقود إلى فرص متكافئة للحصول على عمل. والحقيقة أن عام 2020 أخبرنا أن مستقبل العمل لن يعود كما كان حتى في حال انتهى الوباء. فبعد ما ذاقت الملايين طعم العمل من المنزل، وخاضت الميزانيات تجربة تقليص النفقات لن يعود العمل كما كان قبل «كوفيد19».

وبعيداً عن الوظائف التي فُقِدت والرواتب التي تقلصت، فإن المتوقع أن تشهد أسواق العمل، لا سيما الغربية المزيد من العمالة الرقمية، وهو ما يعني المزيد من معدلات البطالة، وهي قضية يجب أن تخضع للدراسة والتحليل السريعين عربياً. عربياً، أيضاً يمكن القول إننا ندين لـ«كوفيد19» بكلمة شكر لأثره الجانبي الإيجابي على الحروب والاقتتالات العربية والجماعات الإرهابية.

فإذا كان الوباء أثّر سلباً على قدرات الدول لمواجهة الجماعات الإرهابية والتصدي للاقتتالات، فإنه أثر كذلك على قدرة الإرهابيين والمتقاتلين على الاستمرار في إرهابهم واقتتالهم بالوتيرة نفسها. نتفاءل بالخير علنا نجده، ونعمل ونبتكر لعله يبقى معنا قولاً وفعلاً في 2021.

*كاتبة مصرية

 

Email