أردوغان على حافة الهاوية

ت + ت - الحجم الطبيعي

طاردني خلال الأيام الماضية المثل الأمريكي الشهير القائل: «غير المتوقع يأتي دائماً»، سيما أثناء متابعتي لدراما الماضي والحاضر والمستقبل، التي تعيشها تركيا، فببراعة شديدة نجح أردوغان في أن يجعل دولته بائسة، ويائسة وفقيرة، ومهمشة ومعزولة، وصاحبة صورة ذهنية نمطية سلبية في جميع المحافل العربية والإقليمية والدولية.

فلم يكن يتوقع الأتراك أن رئيسهم، بلغ من الحماقة المعدل الذي يغلق عليهم أبواب اثنتين من القوى العظمى، الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأمريكية. أنقرة باتت محاصرة، ومهددة بفعل تصرفات الواهم العثماني.

حسابات أردوغان الضيقة والخاطئة والصغيرة، أعمت بصيرته عن رؤية الواقع، سواء رؤيته للتكتل الأوروبي ضد التنمر التركي، أم لحالة الغضب الدولية الكبيرة جراء استفزازاته بشرق المتوسط، فضلاً عن دعم الميليشيات والإرهابيين في مختلف عواصم العالم، فقد ظن للحظة أن وهمه سيكون حقيقة، وفشل في قراءة الواقع الأوروبي والأمريكي الجديدين، فمن كان يراهن عليهما صارا سيفين مسلطين على رقبته، فها هي دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرون تتفق جميعاً على فرض عقوبات قاسية وغير مسبوقة، حظيت بموافقة الأغلبية العظمى للبرلمان الأوروبي، ثم القادة الأوروبيين لفرض عقوبات عاجلة على أنقرة، وإعداد حزمة جديدة من العقوبات، سوف يتم تطبيقها في مارس المقبل، إذا لم يتراجع أردوغان عن سياساته الهوجاء، وسلوكه المشين في شرق المتوسط، وحوض بحر إيجه الشرقي، وتخليه عن منهج دعم الخلايا الإرهابية وجماعات التطرف بالعواصم والمدن الأوروبية.

وذلك بعد أن أكدت أجهزة الاستخبارات الأوروبية، خصوصاً الألمانية، والنمساوية والفرنسية، أن الخلايا الإرهابية ثبت بالدليل القاطع أنها مدعومة من الرئيس التركي أردوغان وحزبه الحاكم الذي يسمى بـ«العدالة والتنمية»، إذن لقد نفد صبر أوروبا.

التاريخ يكتب صفحات جديدة، السياسة لا تعرف سوى المصالح، أوروبا لم تعد تناسبها الشراكة مع شخص مثل أردوغان، أنقرة باتت عبئاً على الاتحاد الأوروبي، التناقض يكشف النيات السيئة، تركيا التي كانت تحلم بالانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، صارت هدفاً رئيساً للخلاص منها من قبل الاتحاد نفسه، ترتيب المشاهد وتحليل المضمون يقول، إننا أمام شخص يعاني «شيفزوفرنيا سياسية».

يتحدث بخطاب وينفذ عكسه، يسير في طريق ويحتفظ لنفسه بعنوان آخر، لم تعد له هوية، العالم كشف ألاعيبه، هو فقط مخلص لأبناء جماعته الإرهابية، لم يعد أحد يحتمل تصرفاته، وفي مقدمتهم الأتراك أنفسهم، شعبيته تتضاءل، اقتصاده ينهار، رفقاء دربه ينشقون عليه واحداً تلو الآخر، الهجرة الجماعية من الحزب الحاكم إلى الأحزاب الأخرى، هي العناوين الأبرز في الصحافة التركية.

لم يفق من صدمة عقوبات الاتحاد الأوروبي، حتى باغتته صفعة جديدة من البيت الأبيض، فللمرة الأولى منذ دخول تركيا حلف الناتو في أبريل عام 1952، تفرض الولايات المتحدة الأمريكية، عقوبات على أحد أعضاء الحلف. ما الذي حدث؟ هل فاض الكيل الأمريكي من غباء السياسة التركية؟ نعم كل المؤشرات تقول إن أردوغان لم يصبح في قائمة الاهتمامات الأمريكية، فقد أنهى الدور الوظيفي لتركيا الذي لعبته لصالح حلف الناتو على مدار السبعين عاماً الماضية.

البيت الأبيض لن يثق مرة أخرى في أنقرة، صفقة «اس 400» الروسية كشفت قناع أردوغان المزيف، يلعب على كل المسارات دون الالتزام بسياسة واحدة، يخدع الجميع، وهدفه الرئيسي هو إقامة علاقات بدافع تمرير أكبر قدر ممكن من الإرهابيين والمرتزقة والميليشيات.

واشنطن لم تعد الحضن الدافئ لأنقرة، ووزارة الخزانة الأمريكية قالت كلمتها، وفرضت عقوبات على هيئة التصنيع العسكري التركي، ومنعت أية صادرات سلاح أمريكية إلى تركيا بما فيها وقف صادرات طائرات «إف 35»، وعدم تدريب الطيارين الأتراك عليها، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى انهيار الصناعات العسكرية التركية، التي تعتمد على الخبرة الأمريكية.

أردوغان أحرق كل أوراقه، صار عبئاً كبيراً على حلف الناتو، وبات يهدد استقرار شعبه، ونجح بامتياز في ضرب الاقتصاد التركي، وترك بصمة سوداء مع كل حلفاء تركيا السابقين، سواء في الشرق الأوسط أم في أوروبا أم في الولايات المتحدة الأمريكية. حسابات أنقرة تختلف الآن، أردوغان يسقط من حسابات الكبار، رصيده الإقليمي والدولي بات على المكشوف في بنوك الثقة، إن لم يراجع الأتراك مسارات السياسة التركية، فكل المؤشرات تقول إن أردوغان يقود تركيا إلى «حافة الهاوية».

Email