ريادة الأعمال.. هل هي حقيقة؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما إن حط «كوفيد 19» رحاله في عالمنا، حتى تغير وجه العالم، ولم يعد كما نعرفه من قبل، على أصعدة عدة، أخص بالذكر هنا قطاع ريادة الأعمال.

وتاريخياً، لو عدنا للوراء قليلاً للبحث عن مفهوم ريادة الأعمال، فهي يُقصد بها تأسيس مشروع صغير، أو في بعض الأحيان متناهي الصغر. وفي عام 1985، أعاد بيتر دركر الكاتب والباحث الأمريكي، تعريف المصطلح، ليصبح مفهوم ريادة الأعمال متخصصاً بالمشاريع الريادية المبتكرة.

وركز دركر على شخصية رائد الأعمال، أو صاحب المشروع، شارحاً السمات التي ينبغي أن يتمتع بها، مثل المهارات الريادية، والسمات الشخصية التي تحثه على الإبداع، والمغامرة المدروسة، والقدرة على الإقناع، وإيجاد الحلول، وتحدي الأزمات، وبمعنى آخر، يمتلك القدرة على خلق قيمة من العدم.

والتعريف السابق لبيتر دركر، هو التعريف المعتمد أكاديمياً في الجامعات ومراكز الأبحاث والاقتصادات العظمى، واستناداً إليه، سنجد أن معظم المشاريع المسماة بمشاريع ريادية، هي ليست كذلك 100%. حيث أشارت بعض الأبحاث إلى أن معظم المشاريع في منطقة الشرق الأوسط، تفتقر لعنصر الابتكار، وفي الغالب، تعتمد على شخصية صاحب المشروع الريادية في المغامرة وحب الاستثمار.

وبحسب إحدى الدراسات التي قمت بها سابقاً، توصلت إلى أن شخصية رائد الأعمال العربي، مختلفة كثيراً عن نظيره الأمريكي، ففي الأدبيات الأمريكية، يُولد رائد الأعمال من داخل بيئة صعبة، وهنا تبرز المهارة في القدرة على التأقلم في أصعب وأقسى الظروف، ومن هذا المنطلق، نشأت فكرة ريادة الأعمال، وما يعرف بوادي السيليكون الأمريكي.

اليوم، في 2020، مع مجيء جائحة «كورونا»، وتأزم الاقتصاد والقطاع الصحي والطيران والسياحة والتعليم والحياة الاجتماعية، حيث صمت الضجيج، وصمت صوت العالم، إلا من أخبار الجائحة.

وهنا، بعد أن استفاق الاقتصاد، وأدرك القائمون عليه أهمية إنعاشه، ظهرت أصوات تطالب بالنظر في قطاع ريادة الأعمال، ومحاولة دعم هذا القطاع، باعتباره الحلقة الأضعف والأصغر من حيث الحجم، والأقوى والأكبر من حيث العدد والتأثير في الناتج المحلي.

ويطرح بإلحاح، هنا السؤال التالي، أين هو فكر وشخصية رائد الأعمال القادر على وضع الحلول، وتحدي الصعوبات، وخلق قيمة من العدم، من خلال الابتكار؟

وفي السياق ذاته، نلحظ الجهود الحثيثة التي اضطلعت بها الدول في المنطقة، لدعم ريادة الأعمال، والتوعية بأهمية خلق جيل من الرواد، ولكن يبدو أن جائحة «كورونا»، كانت بمثابة اختبار حقيقي، فقد أدت الجائحة لفقدان العديد من الموظفين لوظائفهم، فهل نجحنا بالفعل في بث روح ريادة الأعمال في مجتمعاتنا؟ وهل لدينا رواد أعمال قادرون على تحدي الظروف، وخلق ابتكارات جديدة، تكون وليدة الأزمة الحالية؟

هذا تحديداً ما سنشهده في الأيام القادمة، كما سنرقب ولادة مشاريع مبتكرة، تقف أمام «كورونا»، وأخص بالذكر هنا، المشاريع التي تولد في السيليكون فالي الأمريكي، فهل ستتفوق ريادة الأعمال على هذا التحدي؟

من جانب آخر، تواجه ريادة الأعمال تحدياً رئيساً، في كونها الحل للتوظيف، فقد قامت الدول في العقدين الماضيين، بالتوعية بأهمية ريادة الأعمال، كمهارة مستقبلية، بالإضافة لكونها أحد أهم طرق خلق الوظائف، ففي ظرف مشابه، نحن في أمسّ الحاجة لفكر ريادة الأعمال، فهي المخرج لانخفاض الطلب على الوظائف، فهل ستثبت ريادة الأعمال قدرتها على مواجهة التحدي؟، هذا ما ستكشفه الأيام القادمة، وللحديث بقية.

Email