شهادة الأمير بندر.. حقائق ووقائع

ت + ت - الحجم الطبيعي

انتهجت دول الخليج مبدأ العمل بصمت في خدمة قضايا أمتها العربية والوقوف مع أشقائها في مختلف الظروف والمواقف، بعيداً عن الاستعراض الإعلامي، أو كشف خبايا المستور، مع التحلي بشدة الصبر وطول البال وأخلاقيات الفرسان.

ومن القضايا التي كانت محل عناية كبيرة من هذه الدول ولا تزال، القضية الفلسطينية، التي عملت دول الخليج جاهدة على تهيئة مختلف الفرص لأصحابها، للوصول إلى حلول تعالج قضيتهم وتدعم حقوقهم، باذلة في ذلك شتى المساعي على الأصعدة كافة، عبر تاريخ طويل ممتد منذ الانتداب البريطاني وإلى يومنا هذا.

وقد استثمرت دول الخليج كافة، أدواتها المؤثرة عبر هذا التاريخ لمساعدة الشعب الفلسطيني، والوقوف بجانبه بكل ما تستطيع، ورغم هذه المسيرة الأخوية المشرقة الموثقة، إلا أننا نرى اليوم، وبكل أسف، جحوداً وإسفافاً ونكراناً من القيادات الفلسطينية، التي ترمي هذه الدول بسهامها الطائشة، وتسيء إليها.

لقد آن أوان كشف الحقائق بكل شفافية، لتعلم شعوب المنطقة جهود دولهم المشرقة في خدمة قضايا أمتهم، وفي خدمة القضية الفلسطينية على وجه الخصوص، في وقت يدير فيه الإعلام الموجه عجلة التشويه والتحريض والإساءة ضد دولنا وقياداتنا، ويمارس حرباً رخيصة سلاحها المشين الكذب والتلبيس.

لقد جاءت شهادة الأمير بندر بن سلطان في وقتها المناسب لتدمغ تلك الأباطيل والترهات التي يحاول تلفيقها الإعلام الموجه والنفوس الناكرة للجميل، وتسلط الضوء على الحقائق والوقائع التاريخية المشرقة لدول الخليج في دعم أشقائها، وأخلاقياتها العالية في التعامل معهم.

محطات كثيرة استعرضها الأمير، تُلخِّص لكل عاقل مأساة القضية الفلسطينية التي أضاعت قيادتها الفرص المتوالية التي أتيحت لهم مراراً وتكراراً لحلحلة القضية، وأهدرت جهود دول شقيقة سعت مرات ومرات وتواصلت بكل ثقلها مع الدول الكبرى لاسترداد حقوقهم، ولكن من دون أي تفاعل وتجاوب يُنجح هذه الجهود من قبل القيادات الفلسطينية، بل تنصُّلٌ ومراوغةٌ وإهدارٌ لهذه الجهود كلها، ووعودٌ كوعود عُرقوب لا وفاء لها، وبعد فوات الفرصة وإهدارها يأتي الندم من قبل هؤلاء والبكاء على الأطلال، في دوامة متكررة من الهدر والندم طيلة هذه السنين، دون تحقيق أي تقدم، بل كانت النتيجة عكسية، خسائر متواصلة مُنيت بها القضية الفلسطينية على أرض الواقع.

إن هذه الوقائع والحقائق عن القيادات الفلسطينية عكست عقليات وطبيعة عجيبة لا يمكن تفسيرها، قائمة على تفويت الفرص والتنصل من الحلول وتأزيم القضية والوقوف إلى جانب الأطراف الخاسرة، وتوجيه الخناجر في الظهر إلى من يدعمهم!! ففي تسعينيات القرن الماضي تفاجأت دول الخليج، التي حملت هم هذه القضية مع أشقائها، بالموقف الموجع من القيادات الفلسطينية تجاه احتلال الكويت، والتي اصطفت فيه مع المحتل الغاشم، وأدارت ظهرها لدول الخليج، وبعد تحرير الكويت تفاجأت هذه الدول بشباب يرقصون في نابلس احتفالاً بضرب صدام للعاصمة السعودية الرياض بالصواريخ، مروراً باصطفاف «حماس» إلى جانب دول متآمرة ضد دول الخليج، وانتهاء اليوم بالإساءات المتكررة ضد دول الخليج، الصادرة من أعلى مستوى في القيادات الفلسطينية، وكل ذلك يعكس فقدان البوصلة لدى هذه القيادات والأطراف كلها.

ومن الأمور الموجعة التي ذكرها الأمير بندر، ما اكتوت به القضية الفلسطينية من نيران الخلاف الداخلي بين «فتح» و«حماس» وتوابعهما، والتي زادت من تأزم هذه الأزمة، واستنزفت جهوداً وأوقاتاً أُهدرت من أجل رأب هذا الصدع، وتطلبت مساعي مضنية من دول عدة كمصر والسعودية لإزالة الخلاف، حتى رأى الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، بعد أن جمع هذه الأطراف وأظهروا الاتفاق، أن يتعاهدوا على ذلك بالأيمان المغلظة أمام الكعبة المشرفة، ولكن لم تمر أيام على ذلك حتى نقضوا الاتفاق وتآمروا على بعضهم من جديد، والخاسر الأكبر من ذلك كله الشعب الفلسطيني الذي ذاق الأمرَّين من هذه القيادات.

إنَّ ما سرده الأمير بندر هي حقائق ووقائع دامغة، لا تُبقي لمغرض حجة، وهي حقائق عاصرها وكان شاهداً عيان عليها، تروي فصول مأساة قضية عادلة، أضاعها محاموها الفاشلون، وتاجر بها المتاجرون، واستغلها المغرضون للتشويش والتحريض ضد دول طالما خدمت هذه القضية وترجمت ذلك في مواقف مشهودة، أفلا يراجع هؤلاء أنفسهم ويعقلون؟!

Email