الأمير بندر وحديث الفرص الضائعة

ت + ت - الحجم الطبيعي

واضح وواقعي وصريح، كان الأمير بندر بن سلطان، أمين عام مجلس الأمن الوطني السعودي السابق، في حديثه الذي بثته قناة «العربية» الأسبوع الماضي. وحين تتحدث شخصية بحجم الأمير بندر بن سلطان، فإن الحديث يكتسب أهمية خاصة، نظراً للثقل الذي يتمتع به الأمير، ليس في المملكة العربية السعودية فقط، وإنما في المنطقة العربية والعالم أجمع.

فنظرة واحدة إلى تاريخ الأمير بندر العسكري والدبلوماسي والسياسي والأمني تجعل من حديثه توثيقاً لمراحل مهمة من تاريخ المنطقة والعالم، خاصة أنه شغل منصب سفير المملكة العربية السعودية لدى الولايات المتحدة الأمريكية لأكثر من ثلاثة عقود، خلال الأعوام من 1983 حتى 2015. وهي سنوات شهد العالم خلالها أحداثاً مهمة غيّرت وجه المنطقة العربية والكرة الأرضية.

وقد حظي الأمير بندر خلال فترة عمله سفيراً للسعودية في واشنطن بمكانة مرموقة لدى الرؤساء والمسؤولين الأمريكيين؛ نظراً لما يتمتع به من صفات وقدرة على التواصل وبناء العلاقات، بالإضافة إلى قربه من قيادة بلده التي تثق بقدراته.

لماذا تحدث الأمير بندر في هذا التوقيت، ولماذا ركّز في حديثه على الفرص التي ضيّعها القادة الفلسطينيون منذ ثلاثينيات القرن الماضي حتى اليوم، ولماذا مسلسل إضاعة الفرص مستمر حتى الآن؟

يذكر الأمير بندر في بداية الحلقات الثلاث التي تم بثّها أن سبب رغبته في الحديث هو ما سمعه في الأيام الأخيرة من كلام منقول عن «الإخوة» في القيادة الفلسطينية.

ولأنه لم يتوقع ما سمعه ولم يصدقه، ثم شاهده بعدها بالصوت والصورة على شاشة التلفزيون، واصفاً إياه بأنه مؤلم، لا يقال من قبل مسؤولين عن قضية يريدون أن يقف كل الناس معهم فيها، قائلاً إن تجرّؤهم بالكلام الهجين ضد قيادات الخليج ودوله مرفوض، ولكن ليس غريباً عليهم استسهال استخدام كلمة «خان» و«طعن في الظهر»، لأن هذه سنّتهم في التعامل مع بعضهم، فالانفصاليون الذين يحكمون في غزة يتهمون القيادات في الضفة بأنهم خونة، والقيادات التي في الضفة تتهم القيادات المنفصلة في غزة بأنها طعنتهم في الظهر.

يقول الأمير بندر إن رد فعله الأولى كانت غضباً، ثم فكّر قليلاً فتحول الغضب إلى ألم وشعور بالحزن، وأعاد إليه ذكريات تخصّ القضية الفلسطينية، كان هو شاهداً عليها خلال الأعوام من 1978 إلى 2015.

ثم يبدأ سرد مواقف وأحداث تاريخية تدل كلها على أن القيادات الفلسطينية منذ ثلاثينيات القرن الماضي وحتى الآن، تفنّنت في إضاعة الفرص التي أتيحت لحل القضية الفلسطينية، وظلت تتفنّن في إضاعتها خلال المرحلة التي كان هو شاهداً عليها ومشاركاً فيها خلال عمله في السلك الدبلوماسي، وهي اليوم تضيّع المزيد منها في نهج لا نجد له تفسيراً سوى انعدام الرؤية لدى هذه القيادات المتعاقبة، والخوف من اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، بدليل أنها رفضت عروضاً كانت أفضل بكثير من اتفاق أوسلو، الذي توصل إليه ياسر عرفات عام 1993 مع إسرائيل، والذي اعترف بأن ملحق الحكم الذاتي في معاهدة كامب ديفيد التي رفضها الفلسطينيون عام 1978 كان أفضل منه 10 مرات.

حديث الأمير بندر بن سلطان يأتي في توقيت كثر فيه الكلام عن خيانة القضية الفلسطينية، وكثرت فيه اتهامات القيادات الفلسطينية لدول الخليج بالخيانة، في الوقت الذي يعلم فيه الجميع أن دول الخليج كانت وما زالت أكبر داعم للقضية الفلسطينية، والشواهد على ذلك كثيرة، تؤكدها المواقف العديدة، التي سردها الأمير بندر بالتفصيل للمملكة العربية السعودية، والتي كان شاهداً عليها ومشاركاً فيها.

ولهذا فإن معاهدة السلام التي وقّعتها دولة الإمارات العربية المتحدة، وإعلان تأييد السلام الذي وقعته مملكة البحرين مع إسرائيل، يأتيان في إطار الدعم الذي تقدمه دول الخليج للقضية. وأي اتهام بتخوين دول الخليج أو بيعها القضية من قبل القيادات الفلسطينية الحالية، ما هو إلا حلقة في مسلسل توزيع الاتهامات والخيانات الذي دأب عليه أسلافها.

حديث الأمير بندر في هذا التوقيت مهم وذو دلالة كبيرة؛ لأنه يثبت بالأدلة القاطعة أن القيادات الفلسطينية كانت على الدوام مرتبكة ومترددة، تهربت في كل الأزمنة من كل اتفاق عُرِض عليها، مضيعة الفرصة تلو الفرصة، وكلما ضاعت فرصة كان ما جاء بعدها أقل تحقيقاً لمتطلبات الشعب الفلسطيني، لكنهم لا يتعلمون.

 

 

Email