على الطاولة، تنبري صيحات الحماس، لنجد أن أوراق اللعب تتطاير من لاعب إلى آخر، إلى أن يقطع السيناريو، ليفاجئ أحدهم خصمه بالبطاقة الرابحة، التي أسقطت هيبة وكيان باقي أوراق اللعب، لتسدد الضربة القاضية، حتى تبدأ تجاعيد الخسارة تكسو جبين الطرف الآخر. وهنا، تكمن المشكلة في أن البعض يتبع أسلوب «اللف والدوران»، لإسقاط الخصم في الدائرة المغلقة، بل يصل إلى الاحترافية في إتقان هذا الأسلوب الغامض، بقصص وأقاويل مفعمة بسم المراوغة، لأنه لا يملك الشجاعة الكاملة لكشف الستار عن المقصد الأساسي من وراء تصرفاته المبهمة، حتى يأخذك إلى دوامة، تشعر وكأنك قد أصبت بالصداع النصفي! لأنك كلما حاولت أن تجد حلاً، تبدأ المشكلات والتعقيدات تولد من جديد، وكأنه يريد أن يغرقك في وحل فكره دون أن تشعر، حينما تحتك مع تلك الشخصيات الخداعة، تأكد جيداً أن أذنيك سوف تستمع لحكايات ألف ليلة وليلة، حتى شروق الشمس! يتقن البعض «اللف والدوران» في الحوار، حتى لا تنكشف مواقفهم الحقيقية تجاه موضوع معين، ولكن هيهات، هم لا يعلمون أنهم يفضحون أنفسهم، حينما يكتشف الطرف الآخر لعبتهم الماكرة من البداية، ولكنه يصمت حتى يشاهد بأم عينيه، إلى أين سوف يصل بفكره المنحط! في الحقيقة، دائماً ما تكون النهاية مبتورة المعنى، وتجد مضمون الكلام غير متوازن، تارة تجدهم يأخذونك إلى جبل شاهق، وتارة يرسلونك إلى مستنقع فارغ! يبدأ هذا الشخص بإخفاء الفرصة الأخيرة التي يمتلكها، من خلال الورقة السرية التي يؤجلها للوقت المناسب، حينما يشعر بأن الطرف الآخر بدأ يدخل مخالبه في أصل الموضوع، ويسقطه شيئاً فشيئاً إلى أرض المعركة، ليبدأ يستخدم سلاحه الوحيد، بقوله «اللي على رأسه بطحة يحسس عليها»، حتى يظن الشخص الآخر، أنه أساء فهم المقصد من هذا الحوار!

والغريب في هذا الأمر، أنه يظهر وجهه الطفولي، الذي تملؤه تقاسيم البراءة، وفي داخله نار تشتعل لهيباً، لأن أحدهم كشف اللعبة، قبل أن يؤدي دوره الأسطوري المختل باللف على أعناق الناس، لتحقيق مطالبه المبهمة، ولكن بأسلوب يفتقر إلى الوضوح والشفافية. هذه الفئة تحرك أوراق اللعب، دون أن يشعر اللاعب الآخر، وكأنها تجعله يخوض جلسة تنويم مغناطيسي، تأخذه لتعرجات ليس لها مطاف. أسلوب «اللف والدوران»، يكسر وشاح المصداقية في الحوار، ويفكك الروابط الاجتماعية بين البعض، لأنه يحمل في أحشائه ازدواجية، تتصدر هرموناتها التشويش والفبركة في إيصال المعنى.

ببساطة متناهية، الوضوح وتحديد المقصد الأساسي في الحوار، يسهل على الآخر فهم المغزى من الحديث، ولكن كل منا يمتلك أسلوباً فكرياً يمكّنه من إقناع الطرف الآخر، إذا كان الهدف لا يحمل في جذوره أفكاراً خاطئة أو مسيئة. في قانون اللعب، يجب أن تعرف خصمك جيداً، وتأخذ كافة الاحتياطات والتدابير اللازمة، لأنه إذا شعر بأنه لديك البطاقة الرابحة، سوف يجعل الأمر ينقلب رأساً على عقب! لا تسمح لنفسك بأن تكون ضحية تلك اللعبة الماكرة، حتى لا يأتي أحد ينتزع عقلك من مكانه، ويجعلك أسيراً مقيداً بأغلاله الشائبة.