الإمكانيات هي الأساس في مواجهة «كورونا»

ت + ت - الحجم الطبيعي

تشهد أغلب دول العالم التي أصابتها جائحة «كورونا» موجة ثانية من انتشار هذا الوباء، ولا يبدو أن الحل قريب في ضوء عدم التوصل إلى معرفة دقيقة بالفيروس المتسبب، الشيء الذي قد يمكن من التوصل إلى لقاح يفتح باباً للأمل.

ومنذ الأشهر الأولى لسنة 2020 تعيش الإنسانية على وقع هذا الوباء، الذي وإن كانت نسبة الشفاء منه مرتفعة، فإنه أثر بشكل غير مسبوق على اقتصادات الدول وأجبرها على القيام بخطوات وإجراءات أدت إلى انخفاض مذهل في أنساق النمو، وهو ما زاد في تعميق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية في عدد من هذه الدول. وقد بدا واضحاً أن أغلب الدول التي اضطرت إلى فرض الحجر الصحي الشامل على مجتمعاتها، الشيء الذي أدى إلى تراجع كبير في أداء المنظومة الاقتصادية، وإلى تفاقم تداعيات ذلك الاجتماعية، هي دول لا تملك وسائل تنفيذ سياساتها، وهي لذلك فشلت فشلاً ذريعاً في مصاحبة هذه الإجراءات بأخرى تساعد المؤسسات الاقتصادية على الصمود والاستمرار والعودة إلى النسق العادي للإنتاج متى زالت غُمة هذه الجائحة، وهي إلى ذلك فشلت أيضاً في توفير الدعم للأفراد وللمواطنين عموماً الذين تضرروا جراء إجراءات الحجر الصحي الشامل.

وإن هذا الفشل دفع جل هذه الحكومات، بمناسبة هذه الموجة الثانية من انتشار الوباء إلى تفادي اللجوء إلى فرض إجراء الحجر الصحي الشامل. وبالطبع حاولت بعض الحكومات تبرير الإجراءات الجديدة بالتحسن النسبي في طرق العلاج، وهو تحسن موجود، ولكن الأساس يبقى أن تكلفة الحجر الصحي الشامل باهظة وقد لا تتحملها عديد الدول التي تشكو أساساً من قلة الموارد، فضلاً عن أزماتها الاقتصادية المستفحلة. ولا يذهب بنا الظن إلى أن هذا القصور يشمل فقط بعض الدول الفقيرة، وإنما هو انسحب وينسحب على عديد الدول الأوربية الغنية، ناهيك عن فرنسا التي تعرف جدلاً لا ينتهي حول هذا الموضوع. إن موضوع جائحة «كورونا» كشف بوضوح عن أن مجابهته على المستويين الاقتصادي والاجتماعي مستعصية على بعض الدول، ولكنه فضح بالخصوص أن مواجهته صحياً هي كذلك غاية في الصعوبة نظراً إلى كونها تتطلب هي الأخرى إمكانيات كبيرة، وبنية تحتية تفتقدها أغلب الدول.

وقد أظهر الجدل الدائر رحاه في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، وحتى ألمانيا، أن المحدد في اتخاذ قرار إجراء الحجر الصحي العام منعاً لانتشار الفيروس على نطاق واسع، كان بسبب النقص الكبير في التجهيزات الصحية والتي تسمح فقط باستقبال عدد محدود من المصابين بالوباء.

وقد كان رأي شريحة كبيرة من الأطباء والمختصين في الأمراض الوبائية أن الأفضل هو الوصول إلى المناعة الجماعية من خلال انتشار نسبة معقولة من الفيروس، خصوصاً في ضوء القناعة التامة بأن نسبة الشفاء من الفيروس كبيرة، وقد تصل إلى 95% متى توفر العلاج والتجهيزات الضرورية لذلك.

إن المعضلة الأساسية في مواجهة الجائحة تتعلق بالإمكانيات المادية، وبمدى توفر التجهيزات الضرورية لتقديم العلاج الملائم، وإن جل الإجراءات التي تتخذها الدول لمواجهة «كورونا» هي في علاقة مباشرة بهذه المعضلة، فأما أن هذه الدول تمتلك المعارف الضرورية والوسائل المادية واللوجستية لتنفيذ سياساتها وقراراتها في حربها ضد الفيروس وسيكون النجاح بلا شك هو حليفها، وأما أن هذه الدول هي فاقدة للمعرفة وللإمكانيات، وهي بذلك تسير بخطى ثابتة نحو فشل محتوم. وفي تونس مررنا بمرحلة الحجر الصحي العام دون إجراءات جدية مصاحبة للمؤسسات من أجل مساعدتها على الاستمرار، ولا كذلك للأفراد حتى تقيهم تداعيات الأزمة والبطالة المفروضة على الجميع، وإلى جانب ذلك، لم تكن جائحة «كورونا» مناسبة لتطوير البنية الأساسية للمؤسسات الصحية.

تونس تستقبل اليوم الموجة الثانية من الجائحة، وهي فيما يبدو أخطر من الأولى، ولا نرى أي أثر لجدل في الموضوع؛ لأن الطيف السياسي منشغل فقط بالصراع على السلطة، وهي الآفة التي تكاد تفتك بالجميع.

مشهد غاب عنه حتى صوت الطبيب الذي يُفترض أن يبعث برسالة اطمئنان إلى المواطن، وطغى عليه فقط غوغاء السياسيين الذين غابت عنهم المعرفة والإمكانيات والحلول، فأضحوا فقط مصدراً للإزعاج.

Email