تداعيات بيئية لوسائل الحماية من «كوفيد 19»

ت + ت - الحجم الطبيعي

في ظل إدراك القيام بدورنا للحدّ من انتشار فيروس «كورونا» عبر الالتزام بمعايير التباعد الجسدي وغسل اليدين وتعقيم الأسطح، قد لا نعي تماماً كيف أن الممارسات التي نقوم بها ضمن الوضع المستجد تترك تأثيراً على موارد الأرض بما في ذلك المياه العذبة.

إحدى أهم المخاطر المفروضة على البيئة تأتي على شكل بروتوكولات التنظيف المتقدمة التي تعني استخدامنا لمنتجات التنظيف بحجم أكبر. وأشارت التقديرات إلى أن المستشفيات قد ضاعفت حديثاً روتين التعقيم المتشدد. وتكفي زيارة واحدة إلى قسم منتجات التنظيف المنزلي لتشكل دليلاً على زيادة الطلب. إلا أن عدداً من تلك يحتوي على المواد الكيماوية التي تجد طريقاً إلى البيئة.

وتعتبر مركبات الأمونيوم الرباعية أكثر المكونات النشطة التي يشيع استخدامها في منتجات التطهير والتعقيم التي يوصى بها على وجه الخصوص لمحاربة انتشار «كوفيد 19».

وتعتبر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تلك المركبات من الكيماويات عالية الاستهلاك، حيث يقدر الاستخدام العالمي لها بـ 500 ألف طن سنوياً. ويمكن للأمونيوم الرباعي أن يجد طريقه إلى البيئة البحرية لدى وضعه في مياه الصرف. وتتخلص عادة مصانع معالجة مياه الصرف الصناعي من غالبية المكونات المتحللة عضوياً في الصرف الصحي، إلا أن بعض الملوثات لا تتحلل بالكامل وتطلق نسبة مئوية منها في نهاية العملية في البيئة.

وتشير التقديرات إلى أن 25 في المئة من حجم مركبات الأمونيوم الرباعي المستهلك يتم التخلص منه في البيئة سنوياً. وتزيل مرافق معالجة مياه الصرف حوالي 90 بالمئة تقريباً من تلك المركبات، إلا أن نسبة مركزة كبيرة منها لا يزال من الممكن العثور عليها بشكل متفاوت في الأنهار والبحيرات التي تتلقى تدفقها. وقد تمت ملاحظة وجود نسب التركيز الأعلى في الأجسام المائية التي تتلقى مياه صرف المستشفيات.

إن ما يجعل مركبات الأمونيوم الرباعي فاعلة كمواد تنظيف تجعلها سامة مبدئياً للكائنات غير المستهدفة إذا ما وصلت إلى المياه العذبة. وتحتوي مواد التنظيف تلك المركبات لأنها قادرة على التعقيم بفعالية من خلال إحداث خلل في غشاء البكتيريا والغلاف الدهني للفيروسات. ويعتبر ذلك مفيداً في محاربة وباء فيروسي، لكنه قاتل للطحالب والحيوانات الأخرى بما في ذلك اللافقاريات التي تقطن في القعر والأسماك وحتى الثدييات لأنها تتفاعل مع الأغشية وتعطل الوظائف الطبيعية للخلايا في تلك الكائنات.

ومع ذلك، لا تزال هناك بعض الأمور غير المعلومة التي يمكن أن تدخل تعديلاً على مدى سُمية مركبات الأمونيوم الرباعية على كائنات المياه العذبة. فعلى سبيل المثال، حين تتواجد عناصر المركب مع ملوثات كالزيت، فإن مزيج السمية يمكن أن يتضاعف، في حين أنه ضمن البيئات حيث تتكاثر الترسبات، فإن المركبات تكون مضبوطة وغير متوفرة بمعنى أنها تكون متناقصة السميّة. إن ما نحتاج إليه الآن هو أن نتعلم أكثر. وإن كافة تلك الأسئلة والموضوعات الشائكة تحتاج للتيقن منها من خلال مقاربات تجريبية شاملة لا تأخذ بالاعتبار سمية مركبات الأمونيوم الرباعي على الكائنات وحسب، بل تفاعلات العناصر البيئية فيما بينها ومع الأنواع الأخرى.

يشكل المضي في استخدام منتجات التعقيم والتنظيف جزءاً مهماً من محاربة انتشار جائحة «كوفيد 19»، إلا أن ذلك لا يعني تأخير القيام بالمزيد من الأبحاث المتعلقة بالتهديدات البيئية المحتملة التي تفرضها مركبات الأمونيوم الرباعي على المياه العذبة، وعلى الحيوانات التي تعيش فيها، ضمن عالم نحتاج للتأكد من أنه سينجو ويبقى طويلاً بعد انتهاء الجائحة.

ترجمة: فاتن صبح

 

*رئيس فريق الباحثين في المعهد الدولي للتنمية المستدامة في كندا

Email