«الصقر» في المصيدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

تصرفان متناقضان لأعضاء جماعة «الإخوان» في الدوحة وإسطنبول ولندن، يعكسان مع غيرهما، من الفضائح المالية التي باتوا يكشفون عنها علناً، حال التدهور والتآكل التي آلت إليها أوضاع الجماعة الإرهابية.

الأول هو التهوين من شأن القبض على القائم بأعمال المرشد العام للجماعة، محمود عزت، بعد سبع سنوات من اختفائه، وتسفيه الدور الذي كان يؤديه داخل الجماعة، ومعظم قياداتها بمن فيهم مرشدها العام، محمد بديع، خلف أسوار السجون، بعدما تمكن غيرهم من الهروب إلى الخارج. أما الثاني فهو تبادل الاتهامات العلنية بين أعضائها في الخارج، بالمسؤولية عن إبلاغ السلطات المصرية وإرشادها عن مكان محمود عزت.

ولأن تاريخ الجماعة ينطوي على سجل حافل بتصفية الخلافات بين كوادرها، بتقديم بلاغات أمنية في بعضهم البعض، في ظل العهدين الملكي والجمهوري، فمن غير المستبعد أن يكون أحد قيادتهم في الخارج، هو من أرشد عن مكان عزت، في سياق الصراع الدامي بين سبع فرق متصارعة بينهم، على القيادة والمال، حيث لا اعتداد داخل الجماعة، بولاية المرشد إذا كان أسيراً أو هارباً أو مختفياً.

التسريبات التي خرجت عن أجهزة الأمن في القاهرة، لا تؤكد أو تنفي الإبلاغ عن مكانه، لكنها تشير إلى أن محمود عزت كان تحت سيطرتها طوال السنوات الخمس الماضية، وأنه هو من قام بالإرشاد عن مكان محمد كمال، أحد أبرز قيادتها ارتكاباً لجرائم إرهابية، وتم قتله في مواجهة مع قوات الشرطة.

ومحمود عزت الذي اختار لنفسه لقب «الصقر» كاسم حركي أثناء التخفي، هو أستاذ في كلية طب الزقازيق في محافظة الشرقية، تم فصله بعد تغيبه عنها دون سبب، عقب فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، في 14 أغسطس 2013، وهو محسوب على التيار القطبي داخل الجماعة، الذي تنتسب إليه معظم قيادتها الراهنة. ويتبنى هذا التيار أفكار سيد قطب، الذي يعد كتابه «معالم في الطريق»، الوثيقة الفكرية المعتمدة لدى جماعة الإخوان. وفى الكتاب يدعو قطب إلى إطلاق غرائز الفوضى والتدمير. وكان عزت قد انضم للجماعة عام 1962 وهو لا يزال طالباً في الجامعة، واعتقل في قضية سيد قطب عام 1965، وقضى في السجن نحو عشر سنوات، وخرج منه قطبياً خالصاً، يسعى للتخلص من المجتمع الذي وصف سيد قطب، أهله وثقافتهم وعاداتهم وفنونهم وآدابهم وتقاليدهم وقوانينهم وشرائعهم وحكامهم بـ«الجاهلية»، ودعا لمقاطعة ذلك المجتمع والتعالي عليه «حتى يتم تغيير هذا الواقع الجاهلي من أساسه». ولم يكن مدهشاً مع تلك التصورات، أن توجد في ملفات التحقيق مع سيد قطب، خطط لتدمير القناطر الخيرية التي تتحكم في تدفق المياه لثلاث مناطق من دلتا النيل، وتبعد عن القاهرة 20 كيلومتراً، والهدف هو إغراق البلاد لإعادة بنائها على أسس جماعة الإخوان!

الجماعة، التي لا تتعلم من أخطائها، وتمتلك نهماً لا سقف له للثروة والسلطة، وليس لدى كوادرها أية خبرة، سوى في رسم المؤامرات، ويتباهى التنظيم الدولي لـ«الإخوان» بوجوده في 88 دولة، تلفظ أنفاسها.

وبعد سقوط حكمها في مصر والسودان، ها هي تترنح في تونس، وتتحايل على القوانين للعودة في ثوب جديد في الجزائر، وباتت في غزة، مع الاتفاق الذي وقعته حركة «حماس»، برعاية قطرية، مع إسرائيل لوقف العداء المتبادل بينهما، في قبضة حزب «ليكود». وهي عاجزة عن الوقوف منفردة في مواقعها في طرابلس الليبية، إلا بدعم تركي، فيما السلطان التركي غارق في مشاكله الداخلية، ومعاركه الفاشلة في شرق المتوسط.

كل من اطلع على تاريخ الجماعة يدرك، أن القواعد التي أرساها مؤسسها، حسن البنا، لبناء «تنظيم حديدي» يقوم على تنفيذ الأوامر، والطاعة العمياء من غير بحث ولا مراجعة ولا شك ولا حرج، كما كان يقول، تتهاوى. والصراع القائم الآن بين «الصقور والحمائم» بين بعض كوادرها، وبين الشباب وبين القيادات التاريخية التي يطالبون بعزلها، خير دليل على هذا الانهيار التنظيمي.

بنت الجماعة أيديولوجيتها باستغلال التدين الفطري المتسامح للجماهير، لكنها باتت مفضوحة أمام كل الناس، بعد الخراب الذي جلبوه في كل بلد تمكنوا من حكمه. هذا فضلاً عن أن قدرتهم على رسم تحالفات مع قوى سياسية أخرى، كأحد الأساليب التي تيسر انتشارهم، قد تكشفت عن تاريخ من التحايل وضرب التحالفات والتضحية بالحلفاء لجني مكاسب صغيرة.

القبض على محمود عزت، إعلان بتفكك الجماعة الإرهابية وانهيارها، لا سيما والحلقات تضيق عليها في كل أنحاء الأمة، وأنها أضحت رهينة المحبسين، ملاحقة السلطات الأمنية، والرفض الشعبي غير المسبوق لها.

* رئيسة تحرير جريدة الأهالي المصرية

Email