دور الفرد في تجاوز أزمة «كورونا»

ت + ت - الحجم الطبيعي

يسعى العالم، اليوم، لتجاوز أزمة «كورونا»، التي عصفت بكثير من مناحي الحياة، وأدخلت البشرية في أنفاق مظلمة، ما اضطرت الدول في فصول الوباء الأولى إلى فرض قيود صارمة، وصلت في بعض البلدان إلى حد عزل مدن ومناطق بأكملها؛ للحد من انتشار الوباء، الذي جثم على صدر العالم.

واليوم وبعد مرور شهور من هذا الوباء، يسعى العالم لتجاوزه بحذر، والتعايش معه في إطار من التحصينات الوقائية الحصينة إلى أن يتم القضاء عليه، لئلا تتعطل مصالح الحياة، وتتفاقم تداعيات الوباء الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، فتصبح تداعيات الوباء أشد وطأ وضرراً من الوباء نفسه.

وفي هذا السياق سعت دولة الإمارات، كغيرها من الدول، إلى العودة التدريجية للحياة الطبيعية، وخصوصاً في القطاعات الحيوية، مع اتخاذ كل الإجراءات والتدابير الاحترازية للتصدي للوباء، والحد من انتشاره وتحقيق السلامة العامة للجميع.

وهنا مع هذه العودة الضرورية للحياة الطبيعية، يتعاظم دور الفرد، وتزداد مسؤوليته في إنجاح هذه المسيرة، بالتزامه التام بإجراءات الوقاية والسلامة، التي حددتها جهات الاختصاص، وعدم التهاون في ذلك بأي شكل من الأشكال، وبذلك تتكامل الجهود.

إن دور الفرد هنا مهم جداً، لأن الشخص الواحد المصاب بإمكانه أن يتسبب في فتح سلاسل عدوى لا تُحمد عقباها، وكم من وقائع تسبب فيها شخص واحد مستهتر بنقل عدوى لعشرات الأشخاص، عبر المخالطة والتجمعات، والاستهتار بإجراءات الوقاية وكسر بروتوكولات الحجر الصحي، وقد يؤذي أقرب الناس إليه، ويندم حين لا ينفع الندم.

ومن أول ما ينبغي على الفرد حيال ذلك، التحلي بالوعي، وإدراك الواقع من حوله إدراكاً صحيحاً، والبصيرة بما ينبغي عليه تجاه ذلك، فخطر الوباء لا يزال ماثلاً، والعودة التدريجية للحياة ضرورة، لا يفرضها الواقع ومتطلباته فقط، بل تفرضها أيضاً الطبيعة الإنسانية.

فالإنسان كائن اجتماعي بطبعه، ولا يعني ذلك من قريب أو بعيد زوال الخطر أو التهاون في التعامل معه، بل هذه العودة التدريجية تتطلب من كل فرد التحلي بكل أسباب الوقاية والسلامة، وهذا الوعي هو رأس الحربة في القضاء على انتقال العدوى في المجتمع.

ولا بد لنور هذا الوعي أن يبقى مضيئاً، يحمل صاحبه على دوام التحلي بإجراءات الوقاية، لا يطفئه اعتياد الظرف، فيتناسى خطر الوباء، ويتغاضى عن وسائل الوقاية منه، ولا يطفئه كذلك التأثر بمن يتهاون في هذا الباب، حتى تنقشع الغمة، بإذن الله، وليتذكر أنه مسؤول أمام، الله تعالى، عن صحته ووقاية نفسه من المهلكات، ومسؤول عن أي فعل يتسبب به في إلحاق الأذى بغيره، كما أنه مسؤول أمام القانون، ومسؤول كذلك أمام وطنه وقيادته، فينبغي أن يكون سبباً في إنجاح مسيرة التعافي وقوة الوطن وازدهاره، لا في عرقلة هذه المسيرة.

ومما يستوجب على الفرد في هذا الإطار، غرس روح المسؤولية على نطاق أسرته، الذين هم أولى الناس بأن يحميهم ويحرص على سلامتهم، وخصوصاً كبار السن منهم، فيحثهم جميعاً على التقيد بإجراءات الوقاية والسلامة، ويلتزم بذلك معهم في كل المناسبات العائلية التي تستجد، فيشاركهم الفرحة والسعادة، وكذلك يخفف عنهم الهموم والأحزان عبر الوسائل الآمنة، التي تحمي أسرته وأقاربه، ولا يعرض أحداً منهم لخطر هذا الوباء.

ومن ذلك أيضاً دور الفرد في تعزيز سلوك الوقاية في نطاق عمله ووظيفته في الجهة التي يعمل فيها، بالالتزام بإجراءات الوقاية، ومن أهمها ارتداء الكمامات والتباعد الجسدي، والحرص على التميز الوظيفي بالتعايش الإيجابي مع هذا الظرف، فترتفع مؤشرات الإنجاز، بالعطاء والإبداع والابتكار، مع الوقاية وتعزيز السلامة.

لقد بذلت دولة الإمارات كل مساعيها لضمان سلامة أفراد المجتمع، والعودة التدريجية المتوازنة للحياة، بما يحقق مصالح الجميع، وزودت المجتمع بالتوجيهات والإرشادات والتحذيرات عبر الإحاطات الإعلامية المتكررة لحكومة الإمارات حول مستجدات الفيروس، وها هي تنطلق عبر مختلف المسارات الصحية والقانونية والاقتصادية وغيرها، لتجاوز هذه الأزمة بنجاح، والانطلاق المأمون نحو مستقبل مشرق، واضعة صحة الإنسان فوق أي اعتبار.

«نلتزم لننتصر»، شعار وواقع يجب أن تعكسه سلوكياتنا، لنكون خير سند لقيادتنا ووطننا في مواجهة هذا التحدي، والانتصار عليه.

* رئيس مركز جلفار للدراسات والبحوث

 

Email