نصائح للفصائل الفلسطينية

ت + ت - الحجم الطبيعي

عقود طويلة والقضية الفلسطينية تتأزَّم يوماً بعد يوم، وتصل في كل مرة إلى طرق مسدودة، ومن أكبر العوامل التي أدَّت إلى تلك الحالة المزرية، الفصائل الفلسطينية، التي لم تعرف سوى الانقسام والتراشق والتناحر فيما بينها، والخاسر الأكبر من ذلك هو الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية.

وطوال هذه المدة بُحَّت أصوات العقلاء وهي تطالب الفصائل الفلسطينية بإنهاء حالة الانقسام فيما بينها، والجلوس جميعاً حول مائدة واحدة، وتغليب المصالح العليا، وعدم الانكفاء على المصالح والأجندات الخاصة، ولكن لا حياة لمن تنادي.

وفي كل مرة، بدلاً من أن تنشغل هذه الفصائل بتصحيح مسارها، إذا بها تمزق بعضها بعضاً، كل فصيل يجري وراء مصالحه، ولا ينظر إلا وفق أجنداته، حتى تورَّمت هذه القضية، وأصيبت بالداء العضال، وخسر الشعب الفلسطيني من ذلك خسارة كبرى.

واليوم وبعد أن اجتمعت هذه الفصائل إذا بالجَبل يتمخَّض فيلد فأراً، بل مسخاً مشوهاً، وإذا بهذه الفصائل جميعاً تغرّد خارج السرب، وتكشف عن خبايا أجنداتها السلبية، وتوجه سهامها المسمومة نحو أشقائها العرب، وتخص بذلك دولة الإمارات ودول الخليج، في تصريحات طائشة، وكلمات متهورة.

إن العجب كل العجب من هذه الفصائل التي تتبجح اليوم بأنها صاحبة الكلمة في قضيتها، وأنها لا تسمح لأحد بالتكلم باسمها والتدخل في شأنها، في الوقت الذي تهدم فيه كل هذه الكلمات بتهجمها على دولة الإمارات والتدخل في شؤونها ومهاجمة قراراتها السيادية، ومنها قرار معاهدة السلام، وتتهجم على دول الخليج.

وتتدخل في شؤونها وفي قراراتها السيادية، بل وتحرّض الجاليات الفلسطينية في هذه الدول على الإضرار بمصالحها والتدخل في سياساتها، أليست هذه ازدواجية مقيتة، وعنجهية وبلطجة؟!

وأما نكران هذه الفصائل لجهود دولة الإمارات ودول الخليج في دعم القضية الفلسطينية ومساندة الفلسطينيين سياسياً وإنسانياً فليس بغريب عليها، وإذا كانوا هم جاحدين فإن الشعب الفلسطيني يقدر هذه الجهود، بما رآه ولمسه من دعم ومساندة ووقوف بجانبه، فدولة الإمارات من أكبر الدول المانحة على مستوى العالم لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، كما تحتل المرتبة الرابعة بين أكبر الدول الداعمة مالياً لدولة فلسطين.

وقد أكدت دولة الإمارات في شتى المواقف دعمها للقضية الفلسطينية، وأن ذلك نهج راسخ لديها، وأن معاهدة السلام لا تغير من هذه الحقيقة في شيء، فقد أكد معالي الدكتور أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية، أن هذه المعاهدة لا تتعارض مع دعم الإمارات للقضية الفلسطينية، وأنها تقوم على فصل الجانب السياسي عن غيره من الجوانب.

كما أكد سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، أن خيار السلام لن يكون على حساب دعم دولة الإمارات التاريخي للقضية الفلسطينية، وحقوق الشعب الفلسطيني الشقيق، ورغم ذلك كله فإن هذه الفصائل لا تعي هذه الحقائق، وتستمر في سياسة التشويه والتخوين وإخراج معاهدة السلام عن سياقها.

إن نصيحتي ونصيحة العقلاء لهذه الفصائل أن تنظر بعين البصيرة، بعيدة عن الأجندات الضيقة والمتاجرة الرخيصة بالشعارات الزائفة، وإلا فلتترك الأمر لغيرها، فيكفي الشعب الفلسطيني والعالم العربي والإسلامي ما لقوا منها، فكم من جهود بُذلت، وأوقات أُهدرت، وأموال أنفقت، ولقاءات عُقدت، واتفاقيات أُبرمت، وتحركات سياسية ودبلوماسية اتُّخذت.

وكانت العقبة الكبرى في طريق ذلك كله هذه الفصائل، بانقسامها وتناحرها ونكوصها، وقد اعترفت هذه الفصائل بهذه الحقيقة في لقائها المشؤوم، لتؤكد بذلك أنها أكبر تهديد وعقبة يواجه الشعب الفلسطيني وقضيته، وأنه قد آن الأوان أن تعي هذه الحقيقة!

إن مشكلة هذه الفصائل ليست فقط في موقفها من معاهدة السلام، بل من عقلياتها وأجنداتها ومتاجرتها ومعاييرها وموازينها المقلوبة ومن تشويهها للوقائع والحقائق، ففي الوقت الذي رأينا فيها هؤلاء يوجهون سهامهم المسمومة ضد دولة الإمارات ودول الخليج، إذا بهم يمجدون جهات وتنظيمات لم تتوانَ عن استهداف دول الخليج وتهديد أمنها القومي، فعلى ماذا يدل ذلك؟!

لقد أعرب الأشقاء الفلسطينيون في دولة الإمارات عن استيائهم من التصريحات المسيئة لدولة الإمارات، مشيدين بجهود دولة الإمارات في دعم القضية الفلسطينية، ودورها الكبير في مساندتهم، منوهين على أهمية معاهدة السلام ودورها في إيقاف ضم إسرائيل للأراضي الفلسطينية، ما يؤكد أن تلك الفصائل لا تمثل إلا نفسها.

* رئيس مركز جلفار للدراسات والبحوث

 

Email