تعزيز مهارات الجيل القادم من موظفي الاتصال المؤسسي

ت + ت - الحجم الطبيعي

في مجال الاتصال المؤسسي، لطالما أكدنا على أن الأزمات التي يشهدها عالمنا – بغض النظر عن أنواعها ومسبباتها - هي من المسلّمات التي لا بدّ من حدوثها بين الحين والآخر، ولا ينبغي علينا، كشركات، انتظار حدوث أزمة ما لكي نتحرك، ونظهر ردود أفعال قد تكون متأخرة، وإنما علينا اتخاذ خطوات استباقية، تكفل لنا القدرة على مواكبة التحولات، وتجاوز التحديات، مهما طال أمدها.

ولسوء الحظ، فرضت جائحة فيروس كوفيد 19 على الجميع تحديات عديدة، وأثبتت بما لا يدعو للشك أن أي نقاش حول تلك المسألة، يجب أن يطوى و«للأبد».

حيث لم تكن أي علامة تجارية، بغض النظر عن حجمها أو مجال نشاطها، محصّنة ضد تداعيات الفيروس، وذلك في ظل عمليات الإغلاق والتداعيات الاقتصادية اللاحقة، التي أثرت في الشركات، ليس فقط على صعيد صافي الأرباح، وإنما أيضاً على صعيد القدرة على إيصال رسائل واضحة للجمهور، داخلياً وخارجياً، حول الخطوات والاستراتيجيات المتبعة للتخفيف من تداعيات الأزمة.

وإذا كان الوضع الحالي قد علمنا شيئاً ما، فمن الضروري أن تستعد العلامات التجارية للأزمة التالية، فسواءً كانت كارثة طبيعية، أو شكوى جماعية للمستهلكين، أو خطاباً داخلياً يتم نشره على الملأ، فإن أي أزمة قد تحدث، سيكون لها آثار وتداعيات كبيرة في العمليات التجارية أو سمعة العلامة التجارية.

ومع ذلك، وعلى الرغم من أن معظم العلامات التجارية لديها مسبقاً خطة لإدارة الأزمات أو المشكلات التي قد تطرأ، إلا أن الاهتمام يجب أن يتحول الآن نحو الاهتمام بصورة أكبر، بتطوير وتعزيز مهارات الموظفين لإدارة الأزمات، ليس فقط على مستوى فريق قيادة الشركة، ولكن أيضاً على مستوى كل شخص أو فرد يعمل في مجال الاتصال المؤسسي.

وقد تتطلب هذه العملية جهوداً كبيرة، ولكن بالنظر إلى أن إدارة سمعة المؤسسة أو العلامة التجارية، يعتبر الهدف الأساسي لأي شخص متخصص في مجال الاتصال المؤسسي، فلا يمكن بأي شكل من الأشكال، أن يتم التعامل مع استراتيجيات الاتصال الخاصة بالأزمات بمعزل عن هذا الدور. وقد أظهرت أزمة «كورونا»، أن العالم الذي نعيش ونعمل فيه متغير باستمرار، وسريع التحول.

ولا يمكن التنبؤ بما يمكن أن يطرأ عليه من تغيرات، لذا، باتت هناك حاجة ماسة لوجود متخصصين يتمتعون بمهارات عالية في مجال الاتصال المؤسسي، لإدارة الأزمات عبر كافة المستويات».

ولكن السؤال هنا، كيف يمكن تحديد وإعداد الجيل القادم من متخصصي الاتصال للتعامل مع الأزمات والتحديات المستقبلية؟، ما الخطوات التي يمكن اتخاذها للتأكد من أن قادة الاتصال المؤسسي، في وضع يمكّنهم من إدارة ما قد يواجهونه من تحديات في المستقبل؟.

تسهم البيئة التي ننشأ فيها، في تكوين شخصياتنا وأفكارنا، وصولاً إلى ما نحن عليه اليوم. وبات من الضروري، التوقف للحظات، والتفكر في مدى تأثير المعلمين أو المدربين أو الإخوة والوالدين، ليس فقط في معتقداتنا وشخصياتنا كأفراد، وإنما أيضاً في كيفية استجابتنا، عندما نجد أنفسنا في مأزق ما. كما ينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار تجاربنا أيضاً، ويعتبر ذلك صفوة التدريب على مواجهة وحل الأزمات.

وتلعب التجارب التي نمر بها في حياتنا، دوراً محورياً في إعدادنا بشكل جيد، لذا، من الضروري للغاية، تحديد خلفيات الأفراد، واختبار ما قدمته لهم الحياة، من خلال التعمق في دراسة خلفياتهم الثقافية والفكرية – بشكل يتجاوز ما يمكن أن تقدمه لنا أي سيرة ذاتية.

ويجب على الجامعات والمؤسسات التعليمية، أن تقدم تدريباً نظرياً وعملياً شاملاً على الاتصال المؤسسي الخاص بإدارة الأزمات. وعلى الرغم من أن هذه المسألة يتم تناولها في العديد من التخصصات الفرعية في مجال الاتصال المؤسسي، إلا أن أهمية هذا المجال، تتطلب وجود تخصص قائم بذاته للاتصال الخاص بإدارة الأزمات.

وبالرغم من أنه من البديهي، أن يكون متخصصو العلاقات العامة والاتصال المؤسسي، على دراية بكيفية إدارة الأزمات، إلا أنه يجب أن تتعامل جميع التخصصات مع مسألة إدارة الأزمات – سواءً في مجال الاتصال المؤسسي أو غيره – على أنها ليست مجموعة مهارات تحتكرها مجموعة على حساب أخرى.

ويجب أن يكون التدرب على اكتساب المهارات الخاصة بالاتصال لإدارة الأزمات إلزامياً لجميع العاملين في المؤسسة أو الشركة. ولا يقتصر الهدف من وراء ذلك، على ضمان الاتساق عند التعبير عن رسائل العلامة التجارية، ولكن مع تطور الأزمات، لتصبح أكثر تعقيداً، يتطلب الاتصال المؤسسي لإدارة الأزمات، التعامل مع هذه المشكلات بتفكير استراتيجي جديد.

ولمعالجة هذا الأمر، من المهم الاستماع إلى وجهات النظر المتنوعة، ومناقشتها بشكل بنّاء. وفي الختام، تحضرني هنا المقولة الشهيرة لرجل الأعمال الشهير، وارن بافيت، بأن «عملية بناء سمعة طيبة، تستغرق 20 عاماً، إلا أن تدميرها لا يحتاج سوى إلى 5 دقائق فقط».

وللاستعداد لتلك الدقائق الخمس الحاسمة، سيتطلب الأمر إعادة التفكير في الاستراتيجيات المتّبعة لاستقطاب الجيل التالي من المواهب في مجال الاتصال المؤسسي لإدارة الأزمات، وتأهيلها بشكل جيد، لمواكبة التحولات، وتجاوز التحديات المستقبلية.

* النائب التنفيذي للرئيس للاتصال والإعلام في «دو»

Email