ضوء «خافت» في نهاية النفق الليبي

ت + ت - الحجم الطبيعي

تطورات متلاحقة وسريعة حدثت في المشهد الليبي خلال الأيام القليلة الماضية، آخرها ما صدر عن مجلس النواب الليبي وحكومة الوفاق، الأسبوع الماضي، بشأن إيقاف إطلاق النار كخطوة أولى لتحقيق التسوية السياسية الشاملة في ليبيا.

الخطوة جاءت انتصاراً لمبادرة «إعلان القاهرة»، التي أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسي، بحضور رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، والقائد العام للقوات المسلحة الليبية المشير خليفة حفتر، التي وضعت خريطة طريق متكاملة، لحل الأزمة الليبية، تبدأ بإيقاف إطلاق النار، ووضعت تصوراً متكاملاً يتضمن الاستفادة من جميع المبادرات الدولية ذات الصلة، بما يضمن في النهاية إعادة تشكيل المجلس الرئاسي، وإجراء انتخابات يتم من خلالها إعادة إطلاق جميع مؤسسات الدولة الليبية.

ولأن التطورات الأخيرة جاءت كلها انتصاراً للرؤية المصرية في حل الأزمة الليبية، فقد أعلنت مصر ترحيبها بالبيانات الصادرة عن المجلس الرئاسي ومجلس النواب في ليبيا بإيقاف إطلاق النار وإيقاف العمليات العسكرية في مختلف الأراضي الليبية.

الرئيس عبدالفتاح السيسي اعتبر ذلك خطوة مهمة على طريق تحقيق التسوية السياسية، وتحقيق طموحات الشعب الليبي في استعادة الاستقرار والازدهار في ليبيا وحفظ مقدرات شعبها.

الموقف المصري كان واضحاً وثابتاً منذ تفاقم الأزمة الليبية، خاصة بعد تدخل القوى الأجنبية، الممثلة في تركيا والميليشيات الإرهابية، لتغيير المعادلة على الأرض، فجاء رد الفعل المصري حاسماً وقاطعاً، وإعلان «سرت الجفرة خط أحمر».

الموقف المصري وجد مردوداً إيجابياً من كل أطياف الشعب الليبي، خاصة مجلس القبائل الليبية، الذي سارع لتفويض الرئيس المصري بالتدخل، لحماية مقدرات الشعب الليبي، ثم جاء تفويض مجلس النواب الليبي، وهو المؤسسة الوحيدة المنتخبة انتخاباً مباشراً من قبل الشعب الليبي، ليؤكد موقف مجلس القبائل، ويطالب الرئيس السيسي بالتدخل، للحفاظ على الأمن القومي وسيادة وحدة الدولة الليبية في مواجهة أطماع الغزو الأجنبي التركي.

مصر لديها حدود تمتد إلى نحو 1200 كيلومتر مع ليبيا، وعلى الحدود تتداخل العائلات والقبائل، وهناك قبائل مصرية وليبية لها امتداد عائلي في كلا البلدين. كما أن تحويل ليبيا إلى «وكر» آمن للإرهابيين والمرتزقة يهدد الأمن القومي والاستراتيجي لمصر، فكان من الطبيعي أن تعلن مصر خطوطها الحمراء في ليبيا.

وفي الوقت نفسه دعمها القوى كل مسارات الحل السياسي في ليبيا، بما يؤدي في النهاية إلى توحيد كامل التراب الليبي، وإعادة مؤسسات الدولة لتمارس دورها لمصلحة كل أبناء الشعب، مع تأكيد ضرورة إخراج الميليشيات والجماعات الإرهابية والمرتزقة من كل الأراضي الليبية، على أن يكون الجيش الوطني الليبي الموحد هو المناط به تحقيق الأمن في البلاد.

«إعلان القاهرة» وضع الخطوط العريضة لخريطة طريق تنهي معاناة الشعب الليبي المستمرة منذ 9 سنوات، ووضع تصوراً متكاملاً لكيفية ممارسة المجلس الرئاسي الليبي دوره، وكيفية اختيار ممثلي الأقاليم الليبية فيه، وإشراف الأمم المتحدة على المجمعات الانتخابية، وحصة كل إقليم في الحقائب الوزارية.

إن الاقتراح الذي جاء في بيان المستشار عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، بتحويل مدينة سرت إلى مقر مؤقت للمجلس الرئاسي الجديد، هو اقتراح «رائع»، لأنه يجعل سرت مدينة سلام لكل أبناء الشعب، وفي الوقت نفسه يتوافق مع المبادرات الدولية والأمريكية التي طالبت بجعلها «منزوعة السلاح».

اقتراح مجلس النواب هو الأفضل والأكثر عملية، حتى وإن استجاب لتلك المبادرات من ناحية الشكل، لأن الإشكالية في جعل «سرت» و«الجفرة» مناطق منزوعة السلاح فقط، تجعلهما مناطق وخطوطاً لتقسيم ليبيا إلى شرق وغرب، وتؤدى إلى ترسيخ مفهوم هذا التقسيم، وهو ما رفضه الجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر، حينما أعلن رفضه ذلك المقترح؛ لأن ذلك يعني، طبقاً لوجهة نظره ـ ومعه حق في ذلك ـ تسليمها لـ«الغزاة وأشباه الغزاة».

* كاتب ومحلل سياسي

 

Email