المنطقة على حافة 2021

ت + ت - الحجم الطبيعي

ثمة دخان سياسي كثيف يلوح في الأفق العام. المنطقة على حافة عام 2021، محاولات تجري الآن بهدف إعادة رسم الخرائط التي نجت مما يسمى «الربيع العربي».

قوى عديدة ترى أن الفرصة مواتية لاستدراك ما لم يحدث. مختبرات التآمر تجري تجارب التنمر بكل ما من شأنه ضرب الاستقرار.

قليلون يرحبون بعودة استقرار هذه العواصم التي خارت قواها: دمشق، بغداد، صنعاء، طرابلس، بيروت، كلها صارت مطمعاً لتحالفات المصالح والإرهاب، والتنظيمات المتطرفة. دوي صراع الانتخابات الأمريكية تترجمه الأدوار الوظيفية لبعض الدول والدويلات. أمنيات بخرائط جديدة يتم تفصيلها الآن للمنطقة العربية.

شمال إفريقيا، ضمن مخطط يرى أصحابه أنه من نصيب «الإخوان» الإرهابية، وشمال شبه الجزيرة العربية ضمن مخطط آخر يرى أصحابه أنه من نصيب «الحلم الفارسي». نعم المنطقة على فوهة بركان. الطريق إلى عام 2021 يتم تمهيده الآن. نتائجه غير محسوبة، لكن كل المؤشرات تقول: إن عودة ما يسمى «الربيع العربي» أمر صار مستحيلاً بقرار الشعوب.

جراح الفوضى والتخريب، لا تزال تنزف سياسياً واقتصادياً، إصلاح ما تم تخريبه هو الشغل الشاغل للدولة الوطنية. الدول الوظيفية تمارس كل صنوف الانحطاط في ممارسة التخريب والتدمير والاعتداء على حقوق الغير. تحالفات أنقرة مع التنظيم الدولي للإرهاب تتضمن مشروعاً أسقطه المصريون، لكنهم يحاولون العودة إليه من جديد.

مجرد صورة تجعلنا نعود بالذاكرة إلى عام 2011. برنار هنري ليفي، وما يتضمنه الاسم من إشارات ودلالات، زار الأيام الماضية طرابلس. لماذا الآن؟! وكيف كان دوره في أحداث ما يسمى «الربيع العربي»؟ تونس التي اندلعت منها شرارة الأحداث، هي أقرب النقاط للمنطقة التي زارها ليفي. لا تصدق أية تفسيرات للزيارة، المعنى في بطن هذا الرجل، أحد عقول الحركة الفوضوية عالمياً.

نعم.. لو تم مد الخط على استقامته، لتكشف أكثر معالم اللعبة. أنقرة ليس لديها أي سند شرعي يعطيها الحق في الوجود على شبر واحد من الأراضي الليبية، أردوغان وجماعته يعرفون جيداً أن استقرار القاهرة يمثل عقبة كبيرة في تنفيذ مخططاتهم بالمنطقة، أدركوا أن الضربة ستكون قوية وموجعة إذا تم تجاوز الخط الأحمر «سرت والجفرة»، فراحت أنقرة تقوم بأعمال تنقيب عند النقطة 8 التي تقع ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة لمصر، وهي التي تمثل النقطة رقم 12 بالنسبة لقبرص، والنقطة رقم 5 بالنسبة لإسرائيل.

اللافت للنظر هنا في السلوك التركي، أنه ليس بهدف التنقيب عن النفط والغاز، بل لإرباك مصر، وتشتيت القوات البحرية المصرية، لنقل الأنظار بعيداً عن الأوضاع في ليبيا، ولم يعد خافياً على أحد، أن أنقرة تحاول خداع القاهرة في التعامل مع الأزمة الليبية، لكن الدرس الذي يجب أن يتعلمه «العثمانلي» أن مصر لن تنشغل لحظة واحدة عن أمنها القومي، وأن القاهرة هي التي علمت العالم فنون الخداع العسكري في حرب السادس من أكتوبر 1973.

تداعيات المعركة الليبية قابلة للانفجار بشكل أوسع، ما يزيد على 17 ألفاً من المرتزقة، تم نقلهم من سوريا إلى ليبيا. تركيا لا تريد الدخول في معركة بجنود أتراك، لكنها تريد تفخيخ منطقة شمال إفريقيا، وجنوب المتوسط بالمرتزقة والإرهابيين والمأجورين، وتوظيفهم لخدمة أجندتها السياسية. لكن وسط هذا الخلط الكبير للأوراق، والتآمر على المنطقة، كيف ستكون تداعيات ذلك؟!

أولاً: تونس الآن صارت في وضع قلق وحذر من تطور الأحداث الليبية، لا سيما أنه في حالة تقدم الجيش الوطني الليبي نحو الغرب، وهذا سيحدث لا محالة، ففي هذه اللحظة لن يكون أمام المرتزقة والميليشيات الأردوغانية سوى الهروب نحو الحدود التونسية والجزائرية، ومن ثم يصبح الأمن القومي التونسي والجزائري مهددان.

ثانياً: إن أوروبا أصبحت مهددة بالهجرة غير الشرعية وتسلل الميليشيات والمرتزقة والإرهاب إليها، خصوصاً أن تركيا تلعب دوراً خطيراً في نشر العنف والتطرف في أوروبا عبر «الجمعيات الخيرية».

ثالثاً: إن أنقرة ودولة أخرى حليفة لها، ومعهما التنظيم الدولي للجماعة الإرهابية يرون أن بقاءهم واستمرارهم مرهونان بخلق موجة جديدة من الفوضى والتخريب، وهذا رهان خاسر.

رابعاً: أصداء هذه التداعيات وما يلحق بها من مخاطر وتهديدات للأمن القومي العربي، تتطلب من الدول العربية التكاتف لمواجهة هذا الخطر الذي يحاك لها، فالدروس المستفادة تقول إنه لا مجال لتكرار مشاهد ما يسمى «الربيع العربي».

* رئيس تحرير مجلة «الأهرام العربي»

 

Email