التعاون الصيني العربي في مكافحة «كورونا»

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ الوقت الذي سجلت الصين فيه أول حالة إصابة بفيروس «كورونا» المستجد حتى الآن، نجح الشعب الصيني في احتواء تفشي الوباء بفضل جهوده المضنية، ودخل مرحلة جديدة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بالتوازي مع الوقاية والسيطرة على الوباء.

في وجه التحديات المزدوجة الناتجة عن مواجهة الوباء الشرس وإنعاش الاقتصاد، تقوم دول العالم بما فيها الصين والدول العربية بتعديل سياساتها وفقاً لظروفها الوطنية، سعياً إلى سرعة هزيمة الوباء واستئناف الإنتاج والحياة الطبيعية.

إن أهم ما تعلمناه من هذه المعركة التي تخوضها البشرية ضد الوباء هو أن السلامة والصحة والتنمية والتقدم لشعوب العالم لم تكن مترابطة كما هو اليوم، وأننا لم نكن كما هو اليوم مدركين إدراكاً عميقاً أن كافة البلدان تعيش في قرية كونية واحدة، وتعيش البشرية في مجتمع ذي مستقبل مشترك، فنحتاج إلى التعاون الدولي على نطاق أوسع لمواجهة الوباء.

في هذا السياق، تم عقد القمة الاستثنائية لمجموعة الـ20 بشأن مواجهة الوباء برئاسة السعودية وسلسلة من الاجتماعات الوزارية المتخصصة، حيث أكد المشاركون فيها على أهمية التمسك بتعددية الأطراف ودعم التعاون الدولي. وجاءت الدورة الـ73 لجمعية الصحة العالمية المنعقدة الشهر الماضي بمثابة خطوة قوية أخرى للمجتمع الدولي في المحافل متعددة الأطراف.

كل من الصين والدول العربية مساهم إيجابي في الاستجابة الدولية ضد الوباء. بعد حدوث الوباء، ظلت الصين والدول العربية ملتزمة بمبدأ «الشعب أولاً وسلامة الحياة أولاً»، واتخذت إجراءات قوية في الحلقات المهمة مثل الوقاية والحجر الصحي والفحص والعلاج والتتبع، وعملت على تقليل تداعيات الوباء السلبية على النمو الاقتصادي والاجتماعي، وحققت نتائج إيجابية، خير دليل على ذلك أن معدل الوفاة في الدول العربية أدنى من الدول المتقدمة بكثير. وجاءت الجهود المتضافرة بين الصين والدول العربية لمكافحة الوباء حمايةً واحتراماً لحقوق الإنسان، مما أظهر للعالم قوة تكمن في التضامن بين الدول النامية.

تهتم كلتا الأمتين العربية والصينية بالصداقة والمسؤولية الأخلاقية، وتعملان فعلياً على ترجمة مفهوم مجتمع المستقبل المشترك على أرض الواقع. لما كانت الصين في أخطر أوقاتها لمكافحة الوباء، أعرب قادة الدول العربية والمسؤولون في جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي وغيرهما من المنظمات الإقليمية عن مواساتهم وتضامنهم للجانب الصيني، وقدمت حكومات الدول العربية وشعوبها دعماً ومساعدة للجانب الصيني بأشكال مختلفة، وستظل هذه المشاعر الطيبة من الجانب العربي محفورة في قلوبنا. وفي المقابل، تعاطف الشعب الصيني مع الدول العربية المتضررة من الوباء، وقدم لها دعماً ومساعدة بكل إخلاص.

ووفقاً للإحصاءات غير المكتملة، لغاية اليوم، قدمت الصين إلى الدول العربية نحو 8.4 ملايين كمامة بطُرز مختلفة وأكثر من 1.1 مليون طقم اختبار وما يقرب من 300 ألف لباس واق، وعقدت الاجتماعات الافتراضية بين الخبراء الطبيين الصينيين ونظرائهم في 17 دولة عربية وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي، وأرسلت الصين فرق الخبراء الطبيين إلى 8 دول عربية لها احتياجات ملحة، وتقاسمت الخبرات والبرامج الناضجة بدون أي تحفظ في مجالات التشخيص والعلاج والوقاية والسيطرة.

قبل أيام، أرسلت الحكومة الصينية فريق الخبراء الطبيين إلى فلسطين بناء على طلب الحكومة الفلسطينية ومع الأخذ بالاعتبار احتياجاتها الواقعية لمكافحة الوباء. في الوقت نفسه، تبرع الجانب الصيني بمليون دولار أمريكي كمساهمته السنوية لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى، ومنح المؤسسات الطبية التابعة للوكالة مستلزمات طبية، وقدم مساعدات من خلال الوكالة إلى فلسطين واللاجئين الفلسطينيين الموجودين في الأردن ولبنان وسوريا.

تجسد التحركات المذكورة أعلاه مدى عمق الصداقة بين الشعب الصيني والشعب الفلسطيني خصوصاً والشعوب العربية عموماً. إن التعاون الصيني العربي في مكافحة الوباء يدل مرة أخرى على أن الصين والدول العربية شريكان مخلصان يثق بعضهما بالبعض في مجتمع المستقبل المشترك.

تتضح تداعيات الوباء في عدة محاور، وتطال الصين والدول العربية بشدة. في ظل الظروف الجديدة، إن الجانبين الصيني والعربي بحاجة أشد من أي وقت مضى إلى تضافر الجهود في إقامة المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك نحو العصر الجديد، وتعزيز التضامن لمواجهة التحديات المختلفة في الوقت الراهن وفي المستقبل.

إن الأولوية القصوى هي حسن الوقاية والسيطرة على الوباء. يمكن للجانبين مواصلة تعزيز تقاسم المعلومات والخبرات والممارسات المفيدة، وإجراء التعاون في مجالات الفحص والعلاج السريري وبحث وتطوير اللقاحات والأدوية. في وجه الوباء، يحرص الجانب الصيني بكل إخلاص على مواصلة تقديم ما في وسعه من المساعدات إلى الدول العربية، بما يساعدها على احتواء الوباء في أقرب وقت ممكن، وتحقيق الانتصار النهائي في المعركة ضد الوباء.

يجب على الجانبين مواصلة بناء «الحزام والطريق» بكل ثبات، والعمل يداً بيد على استئناف النمو الاقتصادي والاجتماعي. في ظل الأوضاع الجديدة التي تشهد فرصاً وتحديات في آن واحد، يجب علينا استكشاف طرق لمواءمة الاستراتيجيات التنموية وتعميق التعاون العملي، وتعزيز التعاون في مجالات الطب والصحة وإعادة فتح الاقتصاد ومعيشة الشعب، بما يجعل «الحزام والطريق» طريقاً نحو التنمية والتعاون والصحة.

يجب على الجانبين مواصلة رفع راية التعددية عالياً، ودعم الدور المطلوب لمنظمة الصحة العالمية في التعاون الدولي ضد الوباء، وصيانة دور الأمم المتحدة ومكانتها، وحث المجتمع الدولي على التعاون في مكافحة الوباء، وضخ طاقة إيجابية قوية في سبيل الانتصار في المعركة العالمية ضد الوباء بـ«مساهمات صينية عربية».

Email