سيكولوجية الشعب الياباني

ت + ت - الحجم الطبيعي

الشعب الياباني يمتاز بسيكولوجية مختلفة بعض الشيء. فبحسب البروفيسور «هيروشي مينامي» مدير مركز علم النفس الياباني في جامعة هيتوتسوباشي فإن «اليابانيين حساسون للغاية لما يقوله الأجانب عنهم خصوصاً الأوروبيون نتيجة لما يمتلكون من وعي ذاتي قومي شديد».

وكتب هيروشي كتابه «سيكولوجية الشعب الياباني» الصادر عام ١٩٥٣م حيث حاول أن يبحث في العقل الياباني لفترة ما بعد الحرب على ضوء العناصر التي امتدت منذ فترة ما قبل الحرب. كما كتب كتابه «النفس اليابانية» عام ١٩٨٢م والذي ذكر فيه أن اليابانيين لديهم ثلاثة أنواع من مظاهر الشك في نفسياتهم (بصورة عامة).

المظهر الأول، خليط من الجزم والشعور بالدونية ونلمس ذلك عبر تصرفاتهم الانفعالية كالخجل وسرعة ضربات القلب والتكتم والاستقالة. والمظهر الثاني، سعي الياباني إلى لفت انتباه من حوله، وحرصه على أن يكون موضع اهتمام الناس لذا فهو يحرص على أن يمارس سلوكاً مهذباً وطيباً مع من حوله.

والمظهر الثالث، محاولة الياباني الصادقة في العمل بجد واجتهاد ونشاط «وكأنه يريد أن يغطي أو يتغلب على مشكلة شعور الشك لديه» بحسب ما قاله البروفيسور «هيروشي». جاء ذلك في الكتاب الجميل «خفايا المعجزة اليابانية» الذي يضم مجموعة من الموضوعات التي كتبها أساتذة وكتاب وخبراء يابانيون.

وتعود سيكولوجية الشك إلى أمور معقدة منها انطلاقة الإصلاح في عهد الميجي عام ١٨٦٨م، حيث كانت العلاقات سابقاً قائمة على «نظام نفسي يرتكز على الرتب الاجتماعية، والتفوق، والدونية» ثم ما تبع ذلك العصر من تحولات جذرية في انصراف اهتمام الياباني نحو نفسه بحسب البروفيسور هيروشي.

ثم بدأت محاولات دمج الياباني في إطار الجماعة والقبيلة حتى صار يعتبر نجاح الفرد أو فشله هو نجاح أو فشل مصنعه أو شركته التي يعمل فيها. الأمر الذي يضاعف تداعيات الضغوطات النفسية على الأفراد.

وهذا مما فاقم قضية «تقدم اليابان على البلدان الأخرى في مجال الانتحار الجماعي والعائلي». وهذه النفسية أو المشكلة الاجتماعية تطرق لها المترجم عبد الله مكي في مقدمته عندما قال إن «فشل الياباني في اختبار القبول الجامعي قد يؤدي إلى انتحار أفراد عائلة بأكملها». كما أن اليابانيين يعتبرون أنفسهم في درجة أقل من الغربيين فتجدهم يستخدمون بكثرة مفردات أجنبية.

وشعب اليابان مثلهم مثل غيرهم من الشعوب لديهم تحديات سيكولوجية واجتماعية وثقافية متعددة. غير أن ذلك لم يمنع اليابان من «التفوق على كثير من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية في نسبة المتعلمين؟» وتعد روح العمل الجماعي فيها هي الأولى من نوعها في العالم.

واللافت أن اليابان التي تعد أصغر مساحة بنحو ست مرات من السعودية والكويت إلا أن لديها أكثر من مائة وخمسين ألف معبد تابع لدانتي الشنتو والبوذية (وهو ما يفوق عدد مساجد السعودية والكويت مجتمعتين) وهذا مؤشر على أن الديانة منتشرة بصورة كبيرة في هذا البلد المتطور. وربما هذا أحد أسباب ارتباط الشعب بقيم نبيلة.

ورغم ضغوطات العمل والتحديات السيكولوجية حيث أصبحوا مضرب المثل في الانتحار، إلا أن الياباني قلما يبقى في منزله من دون عمل فالتقاعد بالنسبة له لا يعني الامتناع عن العمل، بل هو فرصة لتغيير نوع عمله ومكانه.

كما أنه بالرغم من شعور اليابانيين «بعقدة النقص» كما يقول «أكيرا تاناكا» البروفيسور في التاريخ الياباني الحديث في جامعة هوكايدو بسبب التقدم الصيني وتفوق الغرب عليهم، إلا أنهم نجحوا في تحويل ذلك إلى نقطة إيجابية بإشعال شمعة بدلاً من لعن الظلام.

ذلك أنهم أطلقوا أحد أشهر البعثات في التاريخ التي تسمى بعثة «أيواكورا» لتقصي «كل شيء في الغرب بما في ذلك السياسة، والاقتصاد، والشؤون العسكرية، والصناعية والاجتماع والثقافة والفكر» ثم أعدت البعثة تقريراً بلغ مائة مجلد نشرت في عام ١٨٧٨م وكانت تضم بين دفتيها كل مشاهدات البعثة بما يتعلق بالمدارس الغربية، والمصانع، والجيوش، والبرلمانات، وحتى السجون وبيوت البغاء!

ومنذ ذلك الحين بدأت البلاد في الجد والاجتهاد حتى صارت نموذجاً يحتذى في الجودة، والتطوير المذهل في الصناعات، فصارت تصدر أنظمتها الصناعية المتقنة إلى الغربيين. وأنفقت بسخاء على تطوير البلاد لكنها في الوقت نفسه تعتبر «أكثر دولة مقتصدة ومدخرة للثورة».

خلاصة القول، يمكن للشعوب أن تندب حظها العاثر وتعلق تخلفها على شماعة التاريخ وعثراته، لكن الأمم الحية تضع الرؤية الصحيحة وتنطلق كما حدث في عصر (الميجي) الذي قامت نهضته على سواعد الشباب، فهم أمل المستقبل.

 

 

Email