مصر 30 يونيو ومواجهة التحديات الكبرى

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ 7 سنوات كان الموقف في مصر شديد الصعوبة والتعقيد وسط مخاوف شعبية من انهيار الدولة، ونشوب حرب أهلية، بعد أن عمت التظاهرات والإضرابات والاعتصامات أرجاء مصر كلها، وتحولت التظاهرات إلى اشتباكات دموية عنيفة، نتج عنها وقوع عشرات القتلى والمصابين.

خرج الشعب عن بكرة أبيه في 30 يونيو 2013 في ثورة شعبية غطت كل ميادين ومحافظات مصر، ولم يكن أمام الجيش خيار آخر سوى الاستجابة للمطالبات الشعبية، وحماية المتظاهرين وثورتهم التي أسقطت حكم الإخوان.

في هذا التوقيت كانت مصر تعاني الشلل التام في جميع النواحي الاقتصادية والأمنية، وانهار الاقتصاد إلى درجة غير مسبوقة، وتراجع تصنيف مصر الائتماني إلى أدنى مستوياته «ccc» طبقاً لتصنيف مؤسسة «ستاندرد آند بورز» العالمية.

العمل الشاق والدؤوب الذي صاحب برنامج الإصلاح الاقتصادي في مصر هو الذي أسهم في «تمكين» مصر من مواجهة الأزمة التي وصفها صندوق النقد الدولي بأنها أزمة لا مثيل لها، مشيرا إلى أن تعافي الاقتصاد العالمي مازال غير مؤكد.

سارت خطوات هائلة نحو إعادة تأهيل القوات المسلحة بشكل سريع وغير مسبوق ليقفز الجيش المصري قفزة هائلة في ترتيب جيوش دول العالم المختلفة، ويتصدر المركز الأول عربياً والتاسع عالمياً، طبقاً لتصنيف موقع «جلوبال فاير باور» المتخصص في هذا الشأن.

في قاعدة براني العسكرية وقف الرئيس عبد الفتاح السيسي وسط الجنود والضباط مؤكداً أن جيش مصر لا يعتدي على أحد، وإنما هو «جيش رشيد» يحمي حدود ومصالح مصر وأمتها العربية داخل الحدود وخارجها، مشيرا إلى أن مصر لديها خطوط حمراء تتعلق بأمنها القومي، وأمن دولة ليبيا الشقيقة التي تمتلك مصر حدوداً معها بطول 1200 كيلو متر.

ما تحدث به الرئيس في قاعدة براني العسكرية هو ترجمة لاستراتيجية دولة 30 يونيو التي تحرص على حماية حدود الوطن البرية والبحرية والجوية، وفي الوقت نفسه تؤكد جاهزية القوات المسلحة للقيام بكل المهام داخل وخارج حدود مصر في إطار الدفاع الشرعي عن مصلحة مصر الإستراتيجية، والاستجابة لنداء الأشقاء في ليبيا، ورفض التدخلات غير الشرعية هناك، في إطار دعم مصر لجهود التسوية السياسية الشاملة التي تستهدف وحدة ليبيا وسلامة أراضيها، وإتاحة المجال لكل مكونات المجتمع الليبي للمشاركة في تحديد مستقبل الدولة الليبية الموحدة، بعيدا عن الميليشيات المسلحة، وجماعات المرتزقة المتدثرة بعباءة حكومة السراج التي سقطت شرعيتها بعد أن سمحت للتدخلات الأجنبية بالعبث في ليبيا.

ما فعلته دولة 30 يونيو على مدى السبع سنوات الماضية هو الذي جعل مصر تنهي حالة «الإنكفاء الداخلي»، وتتبنى استراتيجية «رشيدة» توازن بين مصالحها في الداخل وارتباطاتها بالخارج دون أن تتورط في مغامرات غير محسوبة، وفى الوقت نفسه تحافظ على مصالحها الإستراتيجية، وأمنها القومي والإقليمي.

على الجانب الآخر، جاءت أزمة السد الإثيوبي لتفرض نفسها على أجندة قاعدة براني العسكرية، وهى الأزمة التي أثارت قلق الشعب المصري كله بسبب موقف إثيوبيا المتعنت علي مدى ما يقرب من 9 سنوات حتى الآن.

أزمة السد الإثيوبي نموذج صارخ للكوارث التي هبطت على مصر قبل 30 يونيو. بسبب استغلال إثيوبيا للفوضى والانفلات والتوترات التي كانت سائدة في مصر بعد احتجاجات 25 يناير، وحتى قيام ثورة 30 يونيو.

خلال تلك الفترة أعلنت إثيوبيا عن خطتها لإقامة السد، وما كانت لتفعل ذلك قبل 25 يناير، وبسرعة شديدة وضعت حجر أساس السد وشرعت في البناء على الفور دون دراسات كافية، واستغلت حالة «السيولة» التي كانت تعيشها مصر، واستكملت مخططها، في محاولة منها لفرض أمر واقع غير مرغوب فيه على دولتي المصب «مصر والسودان».

تفننت إثيوبيا في إفشال كل جولات المفاوضات الثلاثية «مصر، والسودان، وإثيوبيا»، وكذلك مفاوضات واشنطن التي كانت برعاية الولايات المتحدة الأمريكية، والبنك الدولي، ثم أخيرا المفاوضات التي تبناها السودان الشقيق.

أزمة السد الإثيوبي أزمة «فارقة» في حياة المصريين، وهي نموذج لحالة الفوضى الكارثية لما قبل ثورة 30 يونيو، وحالة الدولة القوية الرشيدة، بعد 30 يونيو التي لم تترك باباً للسلام إلا وطرقته، وفى الوقت نفسه هي دولة قوية وواثقة من قدرتها على عدم التفريط في حق الشعب المصري ومكتسباته وحقوقه المائية التي هي جزء أصيل من حقه في الحياة.

* رئيس مجلس إدارة صحيفة «الأهرام» المصرية

opinion@albayan.ae

Email