جائحة ستغيّر العالم

ت + ت - الحجم الطبيعي

أخفق الانهيار المالي عام 2008 في تحفيز تحول جوهري في الرأسمالية. فهل ستكون اللحظة الراهنة مختلفة؟

الأزمة الحالية يمكن أن تنتهي بشكل جيد أو سيئ، لكن الأساس هو أن نتائجها تبقى غير مؤكدة بشكل جوهري. ففي النهاية، اختبار أزمة هو أن نعيش في عالم مؤقت يجري التنافس عليه.

وتشير حدة أزمتنا الحالية إلى الغموض الشديد الذي يلف تاريخ انتهائها؟ طريق الخروج الوحيد من وضعية «التباعد الاجتماعي» القسري هو اللقاح، وهذا قد لا يكون متاحاً بشكل واسع حتى صيف العام المقبل. ومن المحتم أن نشهد ركوداً عالمياً عميقاً، وانهياراً في أسواق العمل وتبخراً في إنفاق المستهلكين.

كان الذعر الذي قاد إجراءات الحكومة في عام 2008 يستند إلى فكرة أن الأموال ستتوقف عن الخروج من آلات الصرف النقدي ما لم يتم دعم النظام المصرفي، وقد اتضح أنه إذا ما توقف الناس عن الخروج من منازلهم، فان تداول الأموال يتوقف أيضاً.

وتتشكل مخيلتنا المعاصرة للأزمة بالعودة إلى عقد السبعينات، فقد لخصت تلك الفترة الطريقة التي يمكن لتمزق تاريخي أن يضع اقتصاداً ومجتمعاً على مسار جديد. تميزت تلك الفترة بانهيار نظام أسعار الصرف الثابتة، والضوابط على رأس المال وسياسات الأجور التي كان يعتقد أنها أدت إلى تضخم لا يمكن السيطرة عليه.

وقد أوجدت أيضاً الظروف التي مكّنت اليمين الجديد من ركوب الموجة من أجل الإنقاذ، وهو اليمين الذي مثله كل من مارغريت تاتشر ورونالد ريغان، اللذين قدما دواء جديداً من تخفيضات ضريبية، وارتفاع في أسعار الفائدة وهجوم على العمالة المنظمة.

وعلى الرغم من الاضطرابات الاجتماعية والألم الشديد، فإن الأزمة المالية العالمية لعام 2008 أخفقت في استحضار تحول جوهري في المعتقدات السياسية. في الواقع بعد التدفق الأولي للإنفاق العام الذي أنقذ البنوك، فإن وجهة النظر التاتشرية للسوق الحر أصبحت مهيمنة أكثر في بريطانيا ومنطقة اليورو.

باستطاعتنا تحديد كيف ستختلف سنة 2020 وما سيأتي في أعقابها عن أزمة السبعينات. أولاً، ابتلع انتقالها مسارات الرأسمالية العالمية، سفر الأعمال والسياحة والتجارة، بيد أن سببها الجذري هو خارج الاقتصاد. درجة الدمار الذي ستنشره يعزى إلى السمات الأساسية للرأسمالية العالمية: مستويات عالية من الترابط الدولي واعتماد معظم الناس على أسواق العمالة. تلك ليست سمات لنموذج سياسة اقتصادية معينة.

ثانياً، الجانب المكاني في تلك الأزمة لا يشبه أزمة رأسمالية نموذجية. باستثناء بعض ملاجئ الأغنياء، فالوباء لا يميز على أساس الجغرافيا الاقتصادية، وهو قد يؤدي إلى خفض قيمة المراكز الحضرية.

حيث يصبح واضحاً كم «العمل القائم على المعرفة» ممكن عبر الإنترنت. وفيما الفيروس وصل إلى أماكن مختلفة في أوقات مختلفة، فإن سمة صارخة للأسابيع القليلة الماضية كانت عالمية سلوكيات الإنسان ومخاوفه وهمومه.

في الواقع، أدى انتشار الهواتف الذكية والإنترنت إلى ظهور جمهور عالمي جديد من نوع لم نشهده من قبل. لكن فيروس كورونا ليس مشهداً يحدث في مكان آخر: إنه يحدث خارج نافذتنا الآن، وبهذا المعنى فإنه يتداخل تماماً مع عصر وسائل التواصل الاجتماعي الموجودة في كل مكان، حيث كل تجربة يجري التقاطها ومشاركتها.

سيتم الحكم على صناع السياسة على عدد الألوف الذين سيموتون. وقبل الوصول إلى ذلك، سيكون هناك لقطات مرعبة تحت سطح الحضارة الحديثة، فيما الخدمات الصحية غارقة وأرواح يمكن إنقاذها لا يجري إنقاذها. اللحظة تبدو بدرجة أقل مثل 2008 أو السبعينات، وأكثر مثل الأزمات الكبيرة الأخرى في خيالنا الجماعي، عام 1945. تتعلق أمور الحياة والموت بتحولات جذرية في السياسة أكثر من قدرة المؤشرات الاقتصادية على إحداثه.

بدلاً من النظر إليها كأزمة رأسمالية، يمكن فهمها بشكل أفضل على أنها نوع من الأحداث العالمية التي تتيح بروز بدايات اقتصادية وفكرية جديدة.

في عام 1755، دمرت لشبونة بزلزال وتسونامي، وانهار اقتصادها، لكن أعيد بناؤها على خطوط مختلفة. وبفضل الاعتمادية المنخفضة على الصادرات البريطانية، فإن اقتصاد لشبونة أعيد تنشطيه في نهاية المطاف.

لكن الزلزال أحدث تأثيراً فلسفياً عميقاً لدى فلاسفة مثل فولتير وايمانويل كانط. وقد أصدر هذا الأخير نظرياته حول ما حدث. إيذاناً بالثورة الفرنسية، كانت تلك الحادثة بتأثيرات على البشرية جمعاء. تدمير على هذا النطاق هز الافتراضات الماورائية، ما زاد من سلطة التفكير العلمي.

* عالم اجتماع واقتصاد سياسي

 

 

Email