إعادة توزيع وتأهيل القوى العاملة خلال الظروف الاستثنائية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تبرز أزمة تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) أهمية إعادة توزيع وتأهيل القوى العاملة في الشركات، هو ما قد نحتاج إليه للمساعدة على استمرار الأعمال والحياة على مستوى العالم، ولكي يحدث ذلك، تحتاج الشركات إلى الانتقال من الوضع التفاعلي الذي تسببت فيه هذه الأزمة غير المسبوقة، إلى التفكير بطريقة مبتكرة واتخاذ إجراءات استباقية تتماشى مع الوضع العالمي الجديد.

وتبدأ هذه الإجراءات من خلال إعادة ترتيب وظائف القوى العاملة ورأس المال البشري، فالشركات التي تمتلك المرونة الكافية لمحاولة إعادة توزيع وترتيب القوى العاملة ستجد هذا الأمر ضرورياً للاستمرار خلال فترة انتشار الوباء وعودة الأعمال إلى طبيعتها بعد انتهائه، وهذه المرونة ضرورية أيضاً للمجتمعات التي نعيش فيها.

ويعد الفهم المتعمّق والواضح والموسّع لبيئة الأعمال الجديدة أمراً أساسياً لتحقيق هذا التحول، أما الأمر الثاني الذي قد يكون أكثر أهمية، فهو أننا نحتاج إلى تحديد وبناء المهارات والقدرات المطلوبة لدى القوى العاملة الحالية لتتناسب مع البيئة الجديدة. وأخيراً، فإننا نحتاج إلى التصرف بسرعة وحزم وإبداع.

إن بيئة الأعمال الجديدة التي ننتمي إليها تتميز بأنها رقمية إلى حد كبير، وهو ما يجعلها مثالية لتلبية متطلبات التباعد الاجتماعي مع الحفاظ على نشاط الأعمال التجارية.

وفي حين توقفت العديد من أنشطة التجزئة التقليدية بشكل مؤقت في الوقت الحالي، شهد البيع بالتجزئة على شبكة الإنترنت نشاطاً ملحوظاً. فعلى سبيل المثال، أفادت جميعة التجارة الإلكترونية في البرازيل بأن المواقع الإلكترونية شهدت زيادة في المبيعات بنسبة 180% منذ يوم 12 مارس الماضي، فيما كانت التوقعات قبل تفشي الوباء تشير إلى نمو التجارة الإلكترونية في البرازيل بنسبة 18% خلال عام 2020.

وفي الهند، سجلت شركة مثل «بيج باسكت» وشركات أخرى المتخصصة في توصيل سلع البقالة عبر الإنترنت مستويات غير مسبوقة من الطلب لكن التجارة الإلكترونية لا تزال بحاجة إلى العنصر البشري، مثل موظفي المبيعات الذين يمتلكون المعرفة بالعلامات التجارية والمنتجات، ومسؤولي إدارة العلاقات مع العملاء والموردين، وحتى الأشخاص الذين يديرون المخزون ويقومون بإجراء التحليلات المطلوبة.

إن إعادة تدريب وتأهيل الموظفين الحاليين الذين يمتلكون مستوىً جيداً من المعرفة بالعلامة التجارية والعملاء وأسلوب عمل الشركة على المدى القصير، يعد خياراً أفضل مقارنةً مع فقدان هؤلاء الموظفين على المدى الطويل وتسليم أنشطة الشركة الأساسية لأشخاص آخرين لا يمتلكون القدر نفسه من المعرفة.

إن إطلاق برامج تعزيز مهارات الموظفين الحاليين يتيح للشركات سد الفجوة الموجودة بين والكوادر المتاحة والمهارات المطلوبة مع مواصلة الالتزام تجاه القوى العاملة الحالية. وينبغي على الشركات التي تمتلك القدرة لتنفيذ هذه الحلول القيام بذلك الآن، أما بالنسبة إلى الشركات التي لا تتمتع بالمرونة وتنوع العمليات لإعادة تدريب وتأهيل موظفيها الحاليين، فلا يزال هناك العديد من الفرص والحلول الخارجية، حيث تتطلب بيئة الأعمال الجديدة أساليب عمل مبتكرة وتفكيراً إبداعياً.

وهناك سؤال يطرح نفسه عن أوجه التعاون التي يمكن إنشاؤها والعلاقات التي ينبغي السعي إلى تعزيزها بما يصب في مصلحة القوى العاملة لجميع الأطراف. ومثلما يمكن الارتقاء بالمهارات، يمكن أيضاً إعادة توظيفها.

ويمكن أن يؤدي المعلمون ومحللو البيانات والاستراتيجيون وموظفو مراكز الاتصال دوراً ملحوظاً خلال هذه الفترة، إن لم يكن في شركاتنا، يمكن أن يكون ذلك مع شركائنا وموردينا وأصحاب المصلحة والمجتمع الأوسع.

وفي «ماجد الفطيم»، قمنا بإعادة تأهيل وتوزيع أكثر من 1000 موظف يعملون في المنشآت الترفيهية ودور السينما التابعة للشركة ليلتحقوا بأنشطة التجزئة. وعلى الصعيد العالمي، يمكن للموظفين من ذوي الياقات البيضاء في قطاعات الاتصالات والعمليات والصحة والسلامة إيجاد فرص جديدة أو مؤقتة في اقتصاد العمل الحر أو مجالات أخرى لم يكونوا يتوقعونها، وهناك الكثير مما يمكن عمله إذا استطعنا رؤية الأمور من منظور مختلف.

وأخيراً، فإن الطريقة التي تتصرف بها الشركات تجاه موظفيها في الوقت الحالي، سيكون لها نتائجها في مختلف أنحاء المجتمع. فالشركات التي تعمل بشكل سريع وحاسم وإبداعي لإدارة موظفيها والتعامل معهم بشكل إيجابي، ستجد نفسها تسهم بشكل رئيس في قيادة مجتمعات بكاملها خلال الفترات الصعبة حتى الوصول إلى بر الأمان.

* الرئيس التنفيذي للثروات البشرية في «ماجد الفطيم القابضة»

Email