التباعد الاجتماعي وحياتنا اليوم

ت + ت - الحجم الطبيعي

أصبح اليوم، من غير الممكن أن تصافح أحداً أو تتعامل مع أحد، إلا عن بُعد، فقد أجبر وباء «كورونا»، الناس، على البقاء في منازلهم لفترة غير محددة، من خلال فرض الحجر على مدن كاملة، في لمح البصر، انقلبت حياة سكان الأرض رأساً على عقب، وظهر مصطلح التباعد الاجتماعي فجأة، فماذا يعني ذلك؟.

‏يعني علمياً، اتخاذ الإجراءات غير الطبية لوقف انتشار المرض المعدي، أو لإبطائه، وهو مجموعة من التغييرات، تشمل الحد من التواصل الاجتماعي، للتقليل من احتمال انتقال العدوى، حيث عرضت دراسة تحليلية صادرة من جامعة لندن College London، مدى التأثير المحتمل للتدابير الصحية المتبعة في بريطانيا، في إبطاء انتشار وباء «كورونا».

حيث ‏ركزت على تأثير دراسة خمسة من التدابير المفروضة، وهي: العزل المنزلي، والحجر الصحي المنزلي، والتباعد الاجتماعي لتقليل التواصل بين الأشخاص من خارج المنزل بمقدار ثلاثة أرباع، مع فرض التباعد الاجتماعي لكبار السن، وأخيراً، إغلاق المدارس والجامعات.

تلك الإجراءات ستؤدي إلى تراجع معدل الإصابة إلى مستويات منخفضة، وخلصت الدراسة إلى أن تخفيف الإجراءات الاحترازية، عندما يكون عدد الحالات التي يتم إدخالها إلى الرعاية المركزة، أقل من 100 حالة أسبوعياً، وعندما يقترب الرقم من 100 شخص، يتم تجديد إجراءات التباعد الاجتماعي مرة أخرى.

التباعد الاجتماعي والحجر المنزلي، غيّرا طريقة الحياة والعمل والتسوق، وحتى التسلية وتمضية ساعات الفراغ الطويلة، وغيّر معها مفهوم التعايش والبقاء مع الآخر في المكان ذاته، وأعاد مظاهر التلاحم والتآلف بين أفراد الأسرة، ورغم نتائج التباعد الاجتماعي الفعال في حصر انتشار «كورونا»، إلا أن أبحاثاً حذرت من التأثيرات النفسية السلبية.

حيث وجدت أن العديد من الأفراد المعزولين، عانوا من مشاكل صحية وعقلية، بما في ذلك الإجهاد والأرق والقلق والاكتئاب والإرهاق العاطفي، وهذه النتائج، تم التوصل لها بعد دراسة حالات العزل خلال تفشي وباء سارس وإنفلونزا الخنازير وإيبولا سابقاً.

يعيش أبناؤنا الطلبة اليوم، وضعاً جديداً عليهم، لم يسبق أن تعايشوا معه سابقاً، مثل التباعد الاجتماعي، والحجر المنزلي، ما فرض عليهم شكلاً جديداً من التعليم، وطرقاً جديدة للترفيه، وعلاقات أسرية يُعاد صياغتها من جديد، وحاجزاً كبيراً بينهم وبين أصدقائهم، وإلغاءً للأنشطة التربوية الترفيهية التي اعتادوا عليها، ما يحتم علينا أن نقدم لهم الدعم النفسي والسلوكي، لنبعد عنهم مشاعر الخوف والتوتر.

المؤسسات وجميع أفراد المجتمع، يجب أن يحاولوا جميعاً أن يتفادوا تأثير «كورونا» والحجر المنزلي نفسياً على الطالب، من خلال عدة بدائل، قد يسخرونها للتكيف الثقافي، من أجل الاستثمار الأمثل لأوقات الفراغ، ونشر حالة اجتماعية ثقافية، تتكيف إيجابياً مع الوضع الراهن، فعلى سبيل المثال، يحبذ إطلاق مبادرات تدعم المواهب من المنازل.

حيث تدعو المبادرة، المشاركين من طلاب المدارس والجامعات، أن يشاركوا بمقاطع تظهر فيها مواهبهم التي يتميزون بها، مقابل جوائز تشجعهم على ذلك، مثل مسابقات النصوص الأدبية، مثل القصة القصيرة والشعر، أو الموسيقى.

وكذلك الفنون التشكيلية، مثل الرسم والتصوير وفن الكاريكاتير وغيرها، ‏بالإضافة إلى عقد مسابقات من شأنها تشجيع القراءة والتلخيص لمختلف الكتب، ونشرها على منصات التواصل الاجتماعي، لتبادل المعلومات، وكذلك تشجيع الأسرة، الأبناء، على ممارسة أنشطة منزلية مختلفة، كالزراعة وممارسة الرياضة وإعداد الطعام، والمحافظة على جدول خاص بهذه الأنشطة يومياً.

‏الابتعاد عن نمط الحياة اليومية، والإحساس بالأزمات، والبقاء في المنزل، يضع الفرد بحالة من الضغط النفسي، ما يسبب له العديد من المضاعفات العصبية والجسدية المحتملة، وللحفاظ على الصحة النفسية خلال الحجر المنزلي، عليكم بالحفاظ على الروتين اليومي المعتاد، وذلك بالانتظام بالنهوض باكراً، وتناول وجبات الطعام في أوقاتها المعتادة، وممارسة النشاط البدني، وعدم الاكتفاء بمشاهدة التلفاز.

حيث إن ذلك يزيد من إمكانية الإصابة بالخمول والاكتئاب، كما لا ننسى ممارسة الرياضة الذهنية، مثل التأمل واليوغا، بالإضافة إلى الابتعاد عن متابعة الأخبار بإفراط، وأخيراً، قم باستغلال الوقت بقضائه مع أفراد عائلتك، حيث لا شك أن متطلبات الحياة السابقة وانشغالات العمل، أبعدتك عن أفراد عائلتك، لذلك، لا بد من الاستفادة من هذه المرحلة، بقضاء بعض من الوقت مع الشريك والأبناء، بعيداً عن الخوف الزائد والهاجس الدائم من فيروس «كورونا»، واعلم أن المحبة المتبادلة، هي دائماً خير علاج لألف داء.

* مدير جامعة الوصل

Email