تصديق نظرية المؤامرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

قامت المواقع الاجتماعية ولم تقعد عندما حاول البعض تصوير جائحة فيروس كورونا المستجد بأنها مؤامرة. حتى جاء من جاء وقال إن دعوات عدم تشريح جثث المصابين يقصد منها عدم الكشف عن حقيقة تلك المؤامرة أو «خدعة» فيروس كورونا!

وربما يذكر أحدنا كيف اعتبر البعض أن وفيات مدينة ووهان الصينية، التي انطلق منها الوباء، كان بسبب الموجات الكهرومغناطيسية المنبعثة من شبكة الجيل الخامس G5 الصينية التي انتشرت في البلدان الغربية وتسببت في أعراض الإنفلونزا حسب زعمهم! وقد خرج أحد الناشطين العرب في موقع فيسبوك بمقطع مصور بلغ نحو أربعة ملايين مشاهدة قبل أن يحذفه على ما يبدو.

حيث قال إن فيروس كورونا قد صنع في أفغانستان على شكل غاز السارين وبصورة متعمدة، بحسب موقع صوت ألمانيا. وهناك من قال إن الملياردير بيل غيتس كان ضلعاً في أزمة كورونا باعتباره ذا صلة بشركة أدوية عملاقة وغيرها من المنظمات الدولية!

ليس هذا فحسب بل حتى موعد تصنيع اللقاح بدأ الناس بالتشكيك في أسباب تأخيره، لما يربو على العام، وكأنهم يظنونه مجرد حفنة أعشاب يتم طحنها لدى المهتمين بالطب الشعبي. وينسون أو يتناسون أن إنتاج لقاح يمر بدورة تصنيعية وطبية تنتهي بالاختبارات السريرية المحكمة. ولا يضمن كل ذلك أصلاً خلو اللقاح، أي لقاح، من مضاعفات جانبية لنسب ضئيلة من البشر.

وهذا ما يدفع موجة جديدة من التشكيك بعيد إنتاج اللقاح عندما يرى البعض كيف يصاب أحد بأعراض جانبية، مثل أي دواء أو لقاح، فيصبون جام غضبهم على الدول المصنعة باعتبارها متآمرة عليهم! وهكذا لا تنتهي حفلة المؤامرات.

أول خطوة لفهم حقيقة نظرية المؤامرة المزعومة بأن «نفتش عن المستفيد». وهي قاعدة بسيطة تشرح لنا من يمكن أن يستفيد. هنا قد تأتي الأرقام والحقائق بما يخيب ظن المؤمنين بنظرية المؤامرة خصوصاً وأن هذا الوباء الكاسح لم يستثن أحداً في كافة أرجاء المعمورة.

وصرنا بسبب وباء كورونا لأول مرة أمام عدو واحد، بل وللمرة الأولى التي تشعر فيها البشرية جمعاء بآلامنا. حتى الحروب العالمية الطاحنة لم تجد شعوباً تتعاطف معها لأنهم لم يكتووا بنار الحروب وويلاتها. إذن حتى كتابة هذه السطور ليس هناك شعب مستفيد.

ولو أن أحداً من البلدان استفاد لتبعه الجميع بحلوله الناجعة، لكننا نشاهد من يطبق الإغلاق التام، ثم يحظر، ثم يغلق، ثم يحظر جزئياً، ثم يحظر كلياً وهكذا في محاولات هنا وهناك لإيجاد حل لا يبتعد كثيراً عن فكرة التجربة والخطأ أو محاولات تحقيق أقل الخسائر الممكنة.

أما أسباب انتشار نظرية المؤامرة، فلها أبعادها التاريخية، فضلاً عن أنها سهلة التصديق، ولا تحتاج إلى أدلة دامغة فبضعة شكوك وجيهة يمكن أن تدير هدير محركات المؤامرة في أذهاننا. ونظرية المؤامرة مريحة لأنها ترفع عن كاهلنا عناء التفكير فور ما نجد ما يصدق شكوكنا أو أوهامنا.

كما يعزز نظرية المؤامرة أن ملايين وربما مليارات من الشعوب التي لم تعتد على أن تعاملها حكوماتها بشفافية تامة تبقى حيلة المؤامرة مسيطرة على تفكير قطاع عريض منهم. ونظرية المؤامرة فعالة، لأنها تصدق ظنوننا والمرء بطبعه يتفاعل مع ما يصدق ظنونه أو هواجسه.

مشكلة هذه النظرية أنها لا تنتهي فما زال البعض يؤمن أن هذا العالم يسيطر عليه دين واحد، أو دولة واحدة، ولو كان ذلك صحيحاً فلماذا نشاهد اقتصادات قوية جداً، وأخرى تنمو بطريقة مذهلة بالاعتماد على موارد متعددة؟ لماذا مازالت الصين تنمو اقتصادياً بصورة هائلة.

كل ما في الأمر أن هناك من يبذل أسباب التطور والتحسين فيتقدم إلى الأمام بطبيعة الحال. هي جملة من القواعد والاستراتيجيات الإدارية والاقتصادية والصناعية وغيرها يسهم اتباعها في تطور بلد ما أو قطاع مهم فيه.

ومهما بررنا إلا أن نظرية المؤامرة والشكوك مازالت بيننا وهذا ما يدفع كثيراً من المواقع إلى بث مواد إعلامية تنفي المزاعم والإشاعات. وقد قرأت في وكالة الأنباء رويترز زاوية اسمها «التأكد من الحقائق» fact check، وكأن هذا العالم على قدر انفتاحه المذهل وتجاوزه لحواجز الإعلامي الرسمي لم نعد نحصل فيه على معلومة دقيقة بسبب تشتت المنصات، وتضارب المزاعم، وفي مقدمتها نظرية المؤامرة التي لا يبدو أنها ستغيب من عقل الإنسان الذي يبحث عن شماعة ليعلق عليها عجزه عن استيعاب مجريات الأحداث من حوله.

*كاتب كويتي

 

Email