«الزفاف الافتراضي» في زمن «كوفيد 19».. تغيّرات اجتماعية قابلة للاستدامة

ت + ت - الحجم الطبيعي

كيف لنا أن نحوّل المحنة إلى منحة؟! وكيف يمكننا جعل التحديات فرصاً؟! وكيف يكون الواقع صعباً والقادم سهلاً؟!.. أسئلة كثيرة نجد لها في قاموس الإنجاز الإماراتي إجابات مقنعة بالنظر إلى الواقع التفاؤلي الذي تركته لنا قيادة دولة الإمارات نهجاً عملياً لمواجهة مختلف الظروف والتحديات، وتحقيق الكثير من الإيجابيات ومعايشة المزيد من النجاحات.. تلك ببساطة معادلة العمل المستدام في دولة الإمارات. 

أثناء "كوفيد – 19" وما بعده، تغيرات كثيرة عايشها المجتمع الإماراتي، وأخرى قادمة وإن بدت ملامحها تتكشف، أمور عدة تبدّلت في يوميات الأسرة والأفراد، وشملت بتأثيرها جميع فئات المجتمع ضمن قطاع الرعاية الاجتماعية والتنمية المستدامة.. تغيرات واجبة كنتيجة إلزامية لــ "التباعد الاجتماعي" و"الحجر المنزلي" اللذين شكّلا أهم إجراء احترازي في مواجهة تفشي فيروس كورونا المستجد، وأحدثا تغيراً كبيراً وملحوظاً في السلوكيات الاجتماعية على نطاق الأسرة وفي المحيط المجتمعي، هذا الواقع لا يبدو سلبياً كما يتوقعه البعض، بل فيه من الإيجابيات ما نحن بحاجته فعلاً، وقد بدأنا نتلمس آثارها مبكراً بـالتقارب الأسري، والتكاتف المجتمعي، والقناعات السلوكية الاجتماعية عموماً.

مؤخراً أنجزت حكومة دولة الإمارات استطلاع رأي المجتمع حول تداعيات "كوفيد 19"، أفضى إلى أن التباعد الاجتماعي إجراء احترازي وقائي لكنه في المقابل هو سلوك مجتمعي رافقته مجموعة تغيرات في نمط وأسلوب الحياة العامة.. 96% من المشاركين في الاستطلاع أكدوا أن هناك تغيراً أكثر من المعتاد في أسلوب الحياة اليومية، وفي معظمها سلوكيات مجتمعية إيجابية، 34% قالوا إنهم "متفائلون"، و28% "هادئون"، و25% "واثقون". وفي ذات الاستطلاع، 45% من أفراد المجتمع توقعوا بقوة أن الأزمة ستؤدي إلى زيادة التقارب العائلي والتقارب بين الأصدقاء على المدى البعيد.

الأهم؛ أن المستطلعين كانت لديهم توقعات بحصول تغيير جذري للحياة الاجتماعية للسكان في الدولة من ناحية بناء مجتمعات أكثر مرونة وتكيفاً مع الأوضاع المستقبلية، وهو ما يمس جوهر الرعاية والتنمية الاجتماعية؛ صلب عمل وزارة تنمية المجتمع.

حديثاً بدأنا نسمع عن أخبار من نوع جديد وتتكرر بوتيرة متزايدة، تحت عنوان "الزفاف الافتراضي" أو "أعراس بلا حفلات".. من واقع المتابعة الشخصية تبدو الفرحة فيها غير منقوصة، ويتجلى فيها الالتزام المجتمعي صحياً ومادياً واجتماعياً، وفق الأصول والعادات والقيم المتجذرة في مجتمع الإمارات، أما النتيجة فهي حتماً مجدية ومرضية للجميع.

هذه الأعراس الافتراضية التي تعزز مفاهيم وإجراءات الوقاية، وتحافظ على صحة الأهل والأقارب والأصدقاء وتحفظ السلامة العامة، تأتي امتثالاً لتعليمات الدولة وسياستها الاحترازية الصحية الراهنة وتوجيهات القيادة الرشيدة، حيث يقتصر حضور "الزفاف الافتراضي" على أقارب العروسين من الدرجة الأولى، بينما يلتزم البقية بـ "الحضور الافتراضي" والتهنئة عبر تقنيات الاتصال الذكية.

"الزفاف الافتراضي" يعد واحداً من المنح التي اقتنصها المجتمع الإماراتي من محنة "كوفيد 19"، لمسنا فيه ذات الفرحة وهي تبدو مكللة بزهو الفكرة أكثر، وعايشنا منه سلوك "الأوليين" في "ما قلَّ ودلَّ" من التكاليف التي لا ترهق كاهل المعرس، والأهم؛ نستشف منه استقراراً أسرياً وترابطاً عائلياً، وقناعة وتفاهماً بين الزوجين ينبئان بمزيد من الخير وبالرفاه والسكينة والمودة المستدامة إن شاء الله.

التغير في نمط السلوك والحياة العامة، نريده أن يكون متأصلاً في قناعات الشباب والأجيال المتعاقبة، لا نريد مزيداً من البذخ والإسراف في حفلات الزواج التي تمضي في يوم وتذهب معها مئات آلاف الدراهم إلى غير هدف نستفيد منه.. من وحي هذا التغيرات المجتمعية لدينا فرصة أن نستعيد ثقة الزواج بأدنى التكاليف وأقل النفقات، دون الحاجة إلى المبالغة في إقامة الحفلات وحجز الصالات، من أجل تكوين أسرة إماراتية متماسكة.. جميعنا اليوم، الأب والأم والأبناء والأصدقاء، لدينا تحدٍ في أن نضاعف أعداد الشباب والفتيات الملتزمين بهذه الرؤية المجتمعية التنموية المرتبطة بأفق الماضي الأصيل لدولة الإمارات، وبذلك يمكن للحياة أن تستمر بشكل أفضل، طالما أننا نستهدف صنع سعادة بعيدة المدى وليس فرحة قصيرة المدى. 

إن الدعم الحكومي المستدام الذي توفره القيادة للشباب المقبلين على الزواج على شكل "منحة مالية"، يعكس حرص القيادة على توفير أقصى درجات السعادة والرفاهية لأبناء الوطن. لكنّ هذه المكرمة الحكومية تبقى مشروطة بالتزامات نظرية وعملية تحت مظلة "بناء أسر مستقرة ومتماسكة في مجتمع مترابط ومتلاحم"، حيث أن هدف المنحة مساعدة الشباب والفتيات لبداية حياتهم الزوجية والأسرية باستقرار وطمأنينة وأمان، جنباً إلى جنب مع رفع الوعي لديهم بجوانب الحياة الأسرية بعد الزواج. ومن باب أوْلى دائماً أن يتحمل الشباب مسؤوليتهم الوطنية والمجتمعية بالاستفادة من المنحة في ضروريات الزواج والبناء السليم للمستقبل، بما يحقق تطلعات القيادة وأهداف الدعم الحكومي المقدم لفئات مختلفة من المجتمع.. ذلك ما نأمله ونسعى لترسيخه بالتوعية والتثقيف المستدام، انطلاقاً من الإيمان بأن الشباب أمانة وطن، وأن علينا واجب الرعاية المثلى لهذه الشريحة الأهم، باعتبار أن واقعهم هو مرآة لمستقبلنا جميعاً.

بهذه المناسبة ومن باب المسؤولية المباشرة التي تضطلع بها وزارة تنمية المجتمع بما يعكس التوجهات التنموية للعمل الحكومي، تبادر إدارة منح الزواج، بقياس الأثر الاجتماعي المباشر لـ "كوفيد 19" على حالات "الزفاف الافتراضي" وتأثير الفكرة على نطاق المجتمع خلال الفترة الحالية. ولأن "الجميع مسؤول عن الجميع" نتطلّع إلى دعمكم بالمشاركة في استطلاع الرأي حول (تأثير الوضع الراهن على اتمام حفلات الزواج) الذي نطمح لأن نجسّد بنتائجه واقعاً إماراتياً أكثر إيجابية يمتد إلى جذور راسخة من القيم الأصيلة، التي لطالما تمسّك بها الأجداد والآباء والأبناء معاً. 

لنتكاتف سوياً في دعم استقرار وترابط الأسرة الإماراتية، ونشجّع بكل ثقة، الأعراس والزفاف دون تكاليف مرهقة تُكبّل الشباب وتؤثر سلباً على المجتمع.. بكل تأكيد، نحن نسعد بتلقي آراء المجتمع بجميع فئاته في هذا الاستبيان الهام، الذي سيصلكم عبر القنوات التفاعلية الذكية المختلفة لوزارة تنمية المجتمع، فلا تترددوا في إبداء الرأي من أجل مستقبل شبابنا وأسرنا ومجتمعنا.

 

Email