التعليم بحلته الجديدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

غدا التعليم عن بُعد أشبهَ بالحلِّ السحريّ لمشكلة إخلاء المؤسسات التعليمية في وقت الأزمات والكوارث من ناحية، ولمَن يرغب في التعلم مِن أي مكانٍ وبأيّ وقت أو زمن، من ناحية أخرى، حيث يمكن إيصال التعليم والمعلومة لأي طالبٍ من دون أدنى جهدٍ، وأينما كان في المدن المزدحمة، أو المناطق النائية التي يصعبُ الانتقال منها يومياً إلى المؤسسة التعليمية، وأصبح من الواجب على التعليم عن بُعد أنْ يركز على زيادة التفاعل بين المعلم والطلبة، مع مراعاة وجود الفروق الفردية في مستويات الفهم وصعوبات التعلم، وتلقي الطالب للمعلومة، كما يقع على عاتق إدارات التعليم في المدارس والجامعات تفعيل الأنشطة الثقافية والمعرفية فيها عن بُعد.

إنّ تلقي الطالب المعلومة عن بُعد وهو في منزله بحاجة إلى تطوير مهارات المُلقي والمتلقي؛ مثل مهارة الإلقاء والعروض التقديمية، لتصبح بكفاءة وقدرة يبقَى أثرها الفعال في مدّ شخصية الطالب بالمكونات العلمية والاجتماعية البنّاءة، ومن ذلك إتاحة فرص الحوار المتبادل بين الطلاب والمعلمين، حيث إن المؤسسات التعليمية يجب أنْ تكون مخرجاتها ذات إنتاج معرفي، تكتب له الديمومة وليس استهلاكياً سريع النفاد، فالتعليم المبني على لغة الحوار والنقد والنقاش والإبداع العلمي، تعليم ذو جودة وتأثير، وليس دروساً تلقى ومحاضرات تطرح واختبارات تقام ونتائج رسوب أو نجاح تُعلن.

لقد أثبت التعليم عن بُعد وجودَه كنظام تعليمي بديل عن التعليم النظامي بنسبة عالية في تعليم العلوم التطبيقية والإنسانية، فالعلوم الإنسانية فيها تصل نسبة نجاح التعليم عن بُعد إلى ما يقرب من 100%، أمّا العلوم التطبيقية فيمكن القول إنّ نجاح التعليم عن بُعد فيها يصل إلى ما نسبته 70%، وتبقى نسبة 30% مرهونة بضرورة حضور الطالب في المؤسسة التعليمية وحاجته إلى الحضور إلى المختبر أو المعمل، وإلى التعامل مع المادة التجريبية التي يتعلمها عن قُرب؛ مثل الطب والتمريض والهندسة والزراعة ونحوها ما يُساهِم في تحقيق نجاح دراسة العلوم التطبيقية عن بُعد.

نظراً للأهمية التي اكتسبها التعليم عن بُعد، وللتجربة الناجحة التي انطلقت في دولة الإمارات العربية المتحدة بتوجيهات من القيادة الرشيدة، ببدء تطبيق مبادرة التعليم عن بُعد، فور إعلان إخلاء المؤسسات التعليمية بسبب الاحتراز من انتشار مرض كورونا المستجد 19، وتأكيد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله أهمية استمرار العملية التعليمية بحلتها الجديدة؛ حينما قال: «إنّ المدارسَ توقفت، ولكن التعليم عن بُعد لن يتوقف.. ونحن الدولة الأكثر استعداداً للتعليم الذكي»، ولذا فنحن بحاجة لسَنِّ أنظمةٍ وقوانينَ لهذا النظام من التعليم، يشمل التعليم العام والخاص والعالي، وبهذه المؤسسيّة نستطيع أنْ نؤسس لتعليم دائم عن بُعد، ما يساهم في تطوير الدراسة، والحصول على المؤهلات العلمية، كما يجب ألّا ننسى أهمية سنّ قوانين من خلال إشراك مؤسسات الأعمال واحتياجاتها المستقبلية، لتسهيل حصول مخرجات فعالة من هذا النظام قادرة على ولوج سوق العمل في القطاعين الحكومي والخاص بكفاءة واقتدار، لتبقى منظومتنا التعليمية في إبداع متجدد.

* مدير جامعة الوصل

Email