اقتصاد الإمارات قادر على العودة

ت + ت - الحجم الطبيعي

نجحت الإمارات في تحفيز اقتصادها لمواجهة التداعيات الاقتصادية العنيفة التي خلفها فيروس «كورونا» المُستَجد، أو جائحة «كوفيد 19»، في العالم أجمع، وبصفة خاصة دول الخليج العربي.

وبحكم اعتماد الاقتصادات الوطنية لدى دول الخليج بصورة أساسية على عائدات تصدير النفط الذي تراجعت أسعاره نتيجة ضعف الطلب بسبب «كوفيد 19»، كانت الصدمة الاقتصادية التي واجهتها هذه الدول من جَراء الجائحة مزدوجة وأكثر حدة. ولكن الإمارات تتميز بجيوب عميقة مليئة باحتياطيات مالية هائلة. وتمكنت الإمارات من استخدام هذه الاحتياطيات بحنكة وعلى نحو عاجل في تخصيص حزَم من المحفزات المالية الفورية لمساعدة مختلف القطاعات الاقتصادية لديها على مواجهة تداعيات «كوفيد 19»، وقد كان، واستطاعت الإمارات أن تجتاز هذه الأزمة.

والآن وبعد اجتياز الأزمة.. ماذا بعد؟ تستطيع دول الخليج وفي مقدمتها الإمارات تحويل «كوفيد 19» إلى فرصة لتحقيق انتعاش اقتصادي مستدام. تقتضي العودة القوية بعد أزمة «كوفيد 19» توافر شروط معينة، ومنها الاحتياطيات المالية الوفيرة والاقتصاد المتنوع، وهما شرطان متوافران بقوة لدى الإمارات، ولكن ثمة شروط أخرى يتعين تعزيز توافرها.

وفي مقدمة هذه الشروط زيادة المهارات لدى القوة العاملة. يتعين عدم الاكتفاء بالقوة العاملة الرخيصة، وإنما ثمة حاجة إلى التركيز أيضاً على القوة العاملة الماهرة المتمتعة بقدرات مهنية عالية يصقلها التدريب المكثف. ويأتي الشرط الثاني وهو تطوير الإنتاج المحلي، بما يضمن خلق المزيد من الوظائف. وبالتالي، ضمان تدفق المزيد من الدخل لدى الأفراد، وهو ما سَيُتَرجَم في النهاية إلى المزيد من الاستهلاك، وهكذا تدور العجلة الاقتصادية على نحو طبيعي وسليم.

وأما الشرط الثالث، فهو ضمان بقاء الشركات والصناعات الأكثر تضرراً من تداعيات الجائحة. كما يتعين إيلاء أهمية خاصة لقطاعي الشركات الصغيرة والمتوسطة وأيضاً الشركات الناشئة، باعتبار هذه النوعية من الشركات هي العمود الفقري للاقتصاد المستقبلي في كافة أنحاء العالم.

لقد خصصت دول الخليج جزءاً من المحفزات المالية التي رصدتها لمواجهة التداعيات لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة، ولكن ينبغي تقديم المزيد من الدعم. تحتاج هذه الشركات في ظل الظروف الراهنة لتدابير من شأنها التخفيف من حدة المعاناة على كواهلها، ومنها على سبيل المثال تعليق سداد ديونها والدفعات الإيجارية المستحقة عليها، ومنحها إعفاءات ضريبية، وكذلك منحها دعماً نقدياً مباشراً لشراء الآلات والتجهيزات المستخدمة في العمليات الإنتاجية.

يُعد دعم الشركات الناشئة رافداً شديد الأهمية من روافد التنويع الاقتصادي ووسيلة هامة لإكساب دول الخليج مرونة اقتصادية تحتاجها بشدة لمواجهة أي أزمات اقتصادية أخرى قد تتكرر في المستقبل.

يجب التذكير في هذا السياق بأن الأزمة الراهنة تختلف تماماً عن الأزمة المالية العالمية التي اندلعت في عام 2008، فنحن الآن نتحدث عن فيروس سريع الانتشار تفشى على نحو جنوني حتى بات جائحة عالمية حصدت أرواح الآلاف من البشر حول العالم. لقد تسببت أزمة «كوفيد 19» في اضطراب حقيقي لحركة الإنتاج وسلاسل التوريد في مختلف الصناعات حول العالم، فضلاً عن التراجع الحاد في الاستهلاك بسبب ضعف الطلب.

إن المتاعب المالية التي تعانيها مختلف دول العالم من جَراء أزمة «كوفيد 19» هي عَرَض من أعراض المرض، وليست سبباً له. ثمة طريق واضح للتعافي من هذا المرض، إلا أنه طويل. وقد قطعت دول الخليج وفي مقدمتها الإمارات خطوات مهمة على هذا الطريق، ويتعين مواصلة الخطوات الباقية.

* باحث ومسؤول السياسات الصناعية لدى منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو)

ترجمة: سيد صالح

Email