قيم المواطنة في أزمة كورونا

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعاني المجتمعات اليوم ظروفاً استثنائيةً بسبب الوباء العالمي الذي تسبَّب به فيروس كورونا المستجد، الذي اجتاح العالم بأسره، ما جعل الدول تفرض تدابير خاصة للحد من العدوى ومنع انتشاره، وخاصة أن هذا الوباء تسبب في الكثير من الوفيات فضلاً عن إصابة الملايين به، ومن هذه الإجراءات فرض التباعد الاجتماعي والبقاء في البيوت إلا للضرورة وتقييد حرية التنقل لحماية الناس، وما نجم عن ذلك من تداعيات اقتصادية واجتماعية على مستوى العالم.

إن هذه الظروف الاستثنائية تتطلب من كل فرد التحلي بقيم المواطنة المستنيرة، التي هي من أهم الأسلحة اليوم لمواجهة هذا الفيروس والحد من انتشاره، فبمقدار كونه ناقلاً سريعاً للعدوى فإنه يبقى ضعيفاً عاجزاً آيلاً للاندحار أمام وعي الإنسان وصبره وعزيمته والتزامه إجراءات الوقاية التي تكسر سلاسل العدوى وتنشر التفاؤل والأمل.

ومن أهم قيم المواطنة التحلي بالوعي والعقلانية والتفكير الرشيد، بأن يعي الإنسان أن العالم اليوم يواجه خطراً حقيقياً محدقاً بالجميع، وهو فيروس شديد العدوى والضرر، بغض النظر عن أصل منشئه، وقد رأينا من استهان بهذا الخطر في بعض المجتمعات، ومن عده وهماً مختلقاً، وغلا في نظريات المؤامرة، وكانت النتيجة أن هؤلاء أنفسهم أصبحوا ضحايا لهذا الفيروس، الذي فتك بهم وللأسف، وهذا الوعي بوجود خطر حقيقي يهدد العالم بأسره هو أول طريق لمواجهته والقضاء عليه.

ومن مظاهر الوعي كذلك إدراك أن ما يتم اتخاذه في الفترة الحالية من إجراءات التخفيف الجزئي من القيود على الحركة والسماح بفتح المراكز التجارية وبعض الأنشطة الاقتصادية لا يعني أن الخطر قد زال، وإنما يأتي ذلك لضرورة استمرار الحياة وتحقيق التوازن بين سلامة المجتمع وحاجة أفراده للعمل وتلبية مصادر دخلهم، وهي صفحة جديدة من استراتيجيات مواجهة هذا الوباء في العالم بأسره، تتطلب من الجميع الالتزام الصارم بإجراءات الوقاية من دون أي تهاون أو استهتار لإنجاح مسيرة التوازن حتى تنقشع هذه الغمة بإذن الله.

ومن قيم المواطنة المهمة في أزمة كورونا التحلي بروح المسؤولية، التي هي عنصر أساسي في تكوين المواطنة الصالحة في المجتمعات، والتي تجعل كل فرد في هذه الظروف التي نمر بها يستشعر واجبه في تعزيز سلامته وسلامة أسرته ومجتمعه، وهذه المسؤولية تملي على الشخص ضبط نفسه والتخلي عن بعض العادات والسلوكات التي قد تعوَّد عليها في المناسبات الدينية والاجتماعية وغيرها لضمان سلامة الجميع، والعدول عنها إلى البدائل الآمنة التي تحقق الغايات من هذه العادات عن طريق التواصل عن بعد بواسطة الأجهزة الذكية المتاحة بين أيدي الجميع بكل يسر وسهولة.

ومن قيم المواطنة في أزمة كورونا احترام القانون والالتزام بالتعليمات الصادرة عن جهات الاختصاص لوقاية المجتمع من الوباء، فقد أصدرت هذه الجهات مجموعة من الإجراءات الضرورية الواجبة على الجميع للاحتراز من الوباء، كما أصدرت الدولة ضمن جهودها في احتواء الوباء لائحة لضبط المخالفات والجزاءات الإدارية لضمان التزام الجميع هذه الإجراءات سواء كانوا أفراداً أو منشآت، والمواطنة الصالحة تقتضي احترام هذه القوانين والإجراءات والتقيد بها والتي تصب في مصلحة الجميع.

ومن قيم المواطنة كذلك البذل والعطاء والتضامن والشجاعة، وتتجلى هذه القيم بأجل صورها لدى جنود الخط الأمامي لهذه المعركة، وخاصة الأطباء والممرضين ورجال الشرطة والمتطوعين، الذين يعملون في غرف الطوارئ وفي المستشفيات والمراكز الصحية ويجوبون الشوارع لتعزيز سلامة المجتمع، وكذلك لدى التجار ورجال الأعمال والكوادر التعليمية ومختلف شرائح المجتمع، الذين لم يبخلوا بمالهم وجهدهم وعطائهم المتدفق في خدمة وطنهم والدفاع عنه ضد هذا الوباء، وهو ما يعكس المعدن الأصيل للمجتمع الإماراتي في الشدائد والأزمات، والتفافه حول قيادته الحكيمة ضد مختلف التهديدات والأخطار.

ومن قيم المواطنة الواجبة على الجميع بث الأمل والتفاؤل والإيجابية في أنفسهم وأسرهم ومجتمعهم، فلا يأس ولا إحباط ولا سلبية، فالابتلاء سنة الله في الحياة، لحِكَمٍ كثيرة، تعود على البشرية بالنفع والخير، ومن سنة الله كذلك أنَّ بعد العسر اليسر، وبعد الشدة الفرج، وسيزول هذا الوباء بإذن الله، وتبقى القيم والدروس من هذه التجربة الإنسانية مصدر قوة وإلهام ورقي.

 

 

Email