سننتصر

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا أحد يعرف متى سينتهي وباء «كورونا».

هل يتم اكتشاف لقاح له أم أنه سيختفي من تلقاء نفسه مثل الكثير من الأوبئة؟

العالم يقف على أطراف قدميه طوال الخمسة أشهر الماضية.

اقتربت خسائر «كورونا» من 9 تريليونات دولار.

انقلبت كل الحسابات رأساً على عقب.

نظام عالمي جديد لا محالة. قوى تصعد وأخرى تهبط. ذاكرة التاريخ مليئة بتحولات كبرى في زمن الكوارث، «الكساد العظيم» أشهر أزمات القرن العشرين نموذجاً يؤكد المتغيرات التاريخية، صعدت النازية إلى سدة الحكم في ألمانيا، بعد انهيار جمهورية «فايمار» عام 1933 أثر فشلها في حل تداعيات أزمة الكساد الكبير على ألمانيا.

نحن أمام خريطة عالمية جديدة ستكون الغلبة فيها لمن يمتلك المعرفة، البقاء للأكثر علماً، من ينجح في مواجهة هذا العدو «كوفيد 19» سيصبح صاحب كلمة مسموعة.

لا تنطبق هذه المواصفات حتى هذه اللحظة على دولة بعينها.. الجميع على حافة الخطر.. ليست نظرة سوداوية، ولكننا نبحث عن الأمل والفرصة في عيون الأزمة والمحنة.

منظمة الصحة العالمية قالت، إن هذا الفيروس سيعيش مع البشرية لفترات ليست قصيرة. إذاً لابد من التعايش بحذر وحيطة ومسؤولية.

المواطن لابد أن يكون هو المسؤول الأول عن حماية صحته والحفاظ على حياته. مهما اتخذت الحكومات من إجراءات احترازية يظل الدور الأكبر في عهدة المواطن. لا بديل عن اتباع إجراءات الوقاية بحذافيرها.

المعلومات تقول، إن دولاً كثيرة ستخفف القيود، وسوف تزيد من مساحة الانفتاح وعودة الحياة إلى طبيعتها لضخ الأوكسجين في شرايين الاقتصاد الذي أصيب بضيق في التنفس.

هناك تخوفات من حدوث مضاعفات، وتزايد عدد الإصابات حال عودة الحياة إلى طبيعتها بعد عيد الفطر المبارك، نعم هذا التخوّف في مكانه، لكن هناك دوافع أخرى تدفع الحكومات إلى تخفيف الإجراءات واستئناف الحياة. الاقتصاد في المقدمة، الفيروس ضرب «عصب» الاقتصاد، أرقام البنوك المركزية عالمياً تسجل نزيفاً هائلاً من الاحتياطات النقدية للدول خلال الثلاثة أشهر الماضية. مصادر الدخل لدى الدول بالطبع أصيبت بركود غير مسبوق.

في الوقت ذاته، فإن الكلام عن إنقاذ الاقتصاد ليس معناه أن يأتي على حساب صحة وحياة المواطن. معادلة صعبة لكنها صارت إجبارية. ثقافة الحياة تغيرت.. فرضت سلوكاً لا يخلو من التعايش مع الكمامات، والمطهرات، والأدوات الاحترازية والتباعد، وعدم المصافحة. دون التزام المواطن بهذه الثقافة، تقع الكارثة.. سيأكل الفيروس في البشر مثل النار في الهشيم، وسيدمر الاقتصاد تدميراً. وهذا المشهد لا نتمناه نهائياً.

معادلة إنقاذ المواطن والاقتصاد معاً ربما تذكرنا بأجواء «الكساد العظيم» الذي وقع يوم 24 أكتوبر من عام 1929، واستمرت توابعه نحو عقد من الزمن، وبلغت خسائر الولايات المتحدة آنذاك أكثر من 3 مليارات دولار، وذلك بعد أن تم طرح 13 مليون سهم للبيع، ولم تجد مشترين، وجد آلاف المساهمين أنفسهم مفلسين، وخسر (داون جونز) 89 % من قيمته، وكان تأثير الأزمة مدمراً على كل الدول الفقيرة، والغنية. آثار وتداعيات هذا الكساد الكبير يقودنا إلي تعلم الدرس في التعامل مع زلزال «كورونا» «كوفيد 19»، والخروج من آثاره بأقل الخسائر، وفق خطط واستراتيجيات تتحمّلها الحكومات والمواطنين معاً، وفي مقدمتها أن يكون التعايش مع «كورونا» وفق قمة المسؤولية والالتزام، ويقظة بالغة من الحكومات فيما يتعلق بتوفير مستشفيات العزل والعلاج، وتقديم كافة أنواع الدعم للأطباء الذين يخاطرون بحياتهم من أجل إنقاذ حياة الآخرين، ووضع خطط مناسبة حسب ظروف كل دولة لمواجهة هذا الخطر فبحجم نجاح هذه الخطط يأتي نجاح المواجهة، وتفعيل التعاون والشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص، بما يسهم في توفير فرص عمل وسرعة دوران حركة الاقتصاد. ودعم جميع القطاعات التي تسهم في تنمية الناتج القومي وضبط الميزان التجاري للدول، وابتكار مشروعات للإصلاح الإداري لتوظيف الكفاءات، وزيادة القدرات الإنتاجية، بما يصب في مصلحة إنقاذ الاقتصاد ربما تكون هذه بعض الرؤى في زمن «كورونا»، لكن يبقى اليقين في كرم المولى عز وجل بأننا سننتصر.

* رئيس تحرير «الأهرام العربي»

Email