هل حان الوقت للقطاع الخاص لإحداث ثورة في نماذج أعماله التقليدية استعداداً لعصر ما بعد "كورونا"؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

كشفت الأزمة التي يعيشها عالمنا اليوم أن نماذج الأعمال و"العقلية" التي تتبعها معظم شركات القطاع الخاص تنطوي على نقاط ضعف عديدة بانت بشكل واضح خلال هذه الفترة وأثرت بشكل سلبي على عمليات عدد كبير من تلك الشركات نتيجة النشاطات المنعزلة والمستقلة وهيكليات العمل غير المرنة التي تتبعها على مدار السنوات الماضية.

فنرى أن الكثير من الشركات وجدت نفسها أمام تحديات كبيرة حتّمت عليها اتخاذ خطوات "لم تكن بالسهلة" للتخفيف من وطأة تداعيات الأزمة نتيجة التدابير والاجراءات الاحترازية وتعليق الأنشطة الاقتصادية مع تفشي جائحة فيروس كوفيد – 19 حول العالم.

وعلى الرغم من أن هذه الأزمة لا بدَّ لها أن تنتهي مهما طال أمدها كما هو الحال مع العديد من الأزمات التي شهدها العالم من قبل، إلا أن الشيء الأكيد أيضاً هو أن العالم - وتحديداً قطاعات الأعمال - غير محصّنة على الإطلاق ضد الأزمات المشابهة التي من الممكن أن تحدث في المستقبل.

والسؤال هنا، ما الذي يتوجب على شركات القطاع الخاص والمسؤولين فيها القيام به بعد انتهاء أزمة "كورونا" لتعزيز "وقاية" أعمالهم من التحديات التي يمكن أن تواجهها.

في الحقيقة هناك الكثير من الدروس والعبر التي يمكن استخلاصها من هذه الأزمة، أولها بلا شك هو أن نماذج الأعمال التقليدية لم تعد تجدي نفعاً في عصر باتت فيه "الرقمنة" عنصر التحكم الرئيسي والركيزة الأساسية في حياتنا الشخصية والمهنية؛

بمعنى أن الشركات التي لم تحرص خلال السنوات الماضية على مواكبة متطلبات التحول الرقمي وتحديث البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، قد تأثرت بشكل كبير خلال هذه الأزمة لا سيما مع إجراءات التباعد الجسدي والعمل والتواصل عن بُعد.

ووفقاً لدراسة أجراتها دائرة الموارد البشرية بالشارقة، فإن قطاعات ومؤسسات الأعمال التي نجحت حتى الآن في ظل أزمة "كورونا" هي تلك التي تمكنت من أداء أعمالها عن بُعد، وحولت أعمالها بنسبة 100% لتصبح عبر الإنترنت، في حين تأثرت الأعمال /الروتينية/ سلباً، وقد تتعرض للتقلص والاختفاء، كونها تفتقر لأعمال التحليل، حتى يتم تطويرها لتنفذ عبر التكنولوجيا والتطبيقات الذكية.

أما الدرس الثاني الذي يجب أن تتعلمه شركات القطاع الخاص فيتمحور حول أهمية التمتع بمستوى عالٍ من المرونة يتيح لها الاستجابة بشكل سريع لموجهة أي تحديات أو أزمات يمكن أن تحدث، ويضمن استمرارية أعمالها واستدامها. وبغية إحداث تغيير إيجابي ملموس والاستعداد بالشكل الأمثل للمستقبل، تحتاج شركات القطاع الخاص إلى تعزيز مهارات قواها العاملة وضمان تمتعها بالمرونة اللازمة.

والأهم من ذلك تعزيز ثقافة الابتكار السريع في منظومات العمل. إلى جانب ذلك ينبغي العمل على إعادة بناء أعمالنا مع التركيز على مفهوم "التعاون المفتوح" وتعزيز أوجه التحالف مع منظومات متكاملة من الشركاء عبر قطاعات مختلفة بهدف تطوير حلول وابتكارات مشتركة تدعم احتياجات المستهلكين من جهة وتضمن استمرارية أعمال الشركاء من جهة أخرى.

وربما واحدة من المسائل والتحولات المهمة التي وجدت الشركات نفسها مضطرة إلى إعادة التفكير فيها خلال هذه الفترة وستستمر في مرحلة ما بعد )كوفيد -19) تلك المتعلقة بمكان أو بيئة العمل، فنجد أن الكثيرين باتوا يسألون، كيف سيكون شكل ومفهوم مكان العمل في المستقبل؟

وفي الواقع، أثبتت هذه الأزمة أن مكان العمل بالنسبة لعدد لا بأس به من الشركات العاملة عبر قطاعات عديدة، لم يعد مرتبطاً بعد الآن ويتم تحديده بالمناطق الجغرافية والمساحات المكتبية – وإنما يرتبط بدرجة أكبر بالقوى العاملة التي يمكنها العمل والمساعدة عن بُعد وتنفيذ المهام المطلوبة بما يكفل إنجاز العمليات التي تدفع وترتقي بقيمة الأعمال.

وبحسب الاستبيان الذي أجرته مؤسسة "جارتنر" للأبحاث مؤخراً، فإن 74٪ من مديري ومسؤولي الشؤون المالية المُستطلعة آراءهم يعتزمون تحويل قسم من موظفي شركاتهم للعمل عن بُعد بشكل دائم. ويعد ذلك مؤشراً واضحاً إلى مدى التحول في أفكار واستراتيجيات الشركات لمرحلة ما بعد الأزمة فيما يتعلق باعتماد آليات وخطط العمل عن بُعد.

أما الأمر الرابع الذي يمكن أن نستخلصه من هذه الأزمة، فيتعلق بنوعية الخبرات التي يمكن أن تنتقل الشركات للبحث عنها والاعتماد عليها على المديين القصير والمتوسط.

فمن المتوقع أن يكون هناك تحولاً في المعايير التي تتبعها تلك الشركات فيما يتعلق بعملية التوظيف، فربما نجد تحولاً نحو الاعتماد بصورة أكبر على توظيف أصحاب الكفاءات وأولئك الذين يتمتعون بمستوى عالٍ من الاحترافية والكفاءة والقدرة عل التكيف والعمل في كافة الظروف والأوقات مقابل الابتعاد قليلاً عن سياسات التوظيف التي تتم على أساس الجنس أو الشهادات العليا أو التوجهات.

ولا بدّ من التأكيد على أنه بالرغم من التحديات الكبيرة التي فرضتها هذه الأزمة، إلّا أنّ الآوان لم يفت بعد لاتخاذ خطوات وتدابير استباقية وملموسة لتعزيز قوة وحصانة الشركات عبر جميع قطاعات الأعمال وضمان جهوزيتها وقدرتها على مواجهة التحديات القادمة. وكما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، .رعاه الله "مخطىء من يظن أن العالم بعد كوفيد 19 كالعالم قبله".

وأخيراً، مع توجه الدول والحكومات حول العالم للتخفيف من القيود المفروضة والاستعداد لعودة الأنشطة الاقتصادية، ينبغي على قادة شركات القطاع الخاص البدء من الآن بالتخطيط ووضع الاستراتيجيات اللازمة لتجنب الوقوع في فخ المزيد من الأزمات "والفيروسات" مستقبلاً.

النائب التنفيذي للرئيس – الإعلام والاتصال في دو

Email