الدولةُ والقيادة في كلمة محمد بن زايد

ت + ت - الحجم الطبيعي

في هذه الأجواء الطيبة المباركة من شهر الخير والرحمة، أطلّ علينا صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيّان، وليّ عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بحديث يفيض روعةً أخلاقية وشفافية إنسانية، وإحساساً عميقاً بالمسؤولية الوطنية تجاه الوطن وأبنائه في ظل هذه الظروف العصيبة التي تجتاح العالم، وتخترق السائد والمألوف وتُجبر الدول الكبرى والصغرى على إعادة ترتيب حساباتها، وتنضيد مسؤولياتها، والتخطيط لأفقٍ قادمٍ يضمن السلامة والعيش الكريم للإنسان في ظل هذه التحديات غير المسبوقة التي غيّرت معالم الحياة، وأفرزت نمطاً من التفكير الذي يقوم على مراجعة الذات، وتصحيح الحسابات، وتغيير المسار نحو طريقٍ آمن خالٍ من العقبات والعثرات.

وقبل الشروع في إضاءة حديث صاحب السموّ بخصوص ما يتعلق بسياسة الدولة القادمة، لا بدّ من التنويه والوقوف المتأني عند ذلك الشكر الجليل العالي الذي قدّمه صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد لعضيده وحامل هموم الوطن معه صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبيّ، رعاه الله، الذي خصّه صاحب السموّ الشيخ بو خالد بشكر عاطر وثناء نابع من حنايا قلب صادق لرجل أفنى عمره وقدّم زهرة شبابه في سبيل رفعة بلاده، والتقدم بها نحو مراقي المجد، ويا لروعة الكلمة الصادقة حين تخرج من قلب صافٍ يحمل المودة والحب لفارس مقدام يستحق الحب والتقدير والاعتراف بدوره الريادي الباهر في قيادة الدولة نحو الحياة الزاهرة، وهو ما عبّر عنه صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد حين قال: ( أوجّه رسالة شكر إلى أخي وصديقي وتاج راسي الشيخ محمد بن راشد لسبب بسيط جداً وهو موهبته وقدرته على اختيار الكوادر المميزة لقيادة دولة الإمارات في النهوض بهذه الدولة إلى مستوى مُشرّف).

إنّ هذه الكلمات الباهرة لا يمكن أن تكون من باب المجاملة السياسية، ولا تعبيراً عن احترام عادي بل هي تعبير عن أعمق مشاعر الاحترام التي يحملها صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد لأخيه صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد، ولا نعرف نظيراً لهذه العلاقة الفريدة التي تجمع بين هذين القلبين الكبيرين اللذين اجتمعا على حب الوطن وقادته من المؤسسين الكبار، فكلاهما قد ورث عن والده أشرف المناقب، وكلاهما يسري في عروقه دماء الوفاء للوطن ورجاله الكبار، فما أروعها من كلمة يزداد بها بو خالد عزّاً ومهابة حين يقولها لعضيده وصديقه وأخيه الذي طالما أثنى عليه كقائد جسور يقود جيش البلاد، ويرفع بيدٍ من حديد سيف الرجولة والشهامة في سبيل مجد الإمارات، فلا غروَ أن يكون بو خالد حافظاً للودّ، ناثراً للورد في طريق هذا الإخاء الفريد الذي ينعكس خيره على الوطن وثقافة أبنائه حين يرون هذا التلاحم الأخلاقي الفريد بين فرسان الوطن ورجالاته الكبار.

أمّا الكلمة الثانية لصاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد فهي إرشاداته بخصوص ما يتعلق ببعض العادات الاجتماعية والتي تستنزف كثيراً من الموارد والدخول بسبب ما عُرف به هذا الشعب الطيب من كثرة النفقات، حيث نبّه سموّه إلى ضرورة التخفيف من الإسراف باعتباره سلوكاً غير متوافق أصلاً مع الشريعة، وأن المقصود بذلك هو الإسراف المذموم الذي لا يعود على الناس بالنفع العام، أما ما كان في مصالح الشعب، ومواساة الفقير والمسكين فهو غير وارد في كلمة صاحب السموّ، فالمطلوب هو شدُّ الأحزمة تجاه هذه العادات التي أرهقت المواطن الإماراتي، وأصبحت عبئاً اجتماعياً يُثقل كاهله، ويحسن التخفف منه بأسلوب متحضر يلتقي مع جوهر ديننا الحنيف وعاداتنا الموروثة الأصيلة التي دعا صاحب السموّ إلى الحفاظ على الأصيل النافع منها، وتغيير ما كان غير صالح لحياتنا المعاصرة التي يختلف جوهرها ومطالبها عن حياة أجدادنا السابقين.

كما تحدث سموّه عن الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي ( المياه والمصادر الغذائية والطاقة ) في هذه المرحلة والتي تتطلب إدارة حكيمة تأخذ بعين الاعتبار التطورات الحالية التي تستدعي إعادة النظر في النفقات وضرورة ضبطها بما يتلاءم مع متطلبات المرحلة كي لا يكون الإنسان الإماراتي غائباً عن المشهد، موضّحاً سموّه أن الانتقال من نمط حياة إلى نمط حياة آخر هو انتقال من نمط ثقافي إلى نمط جديد، وهذا يستدعي منا جميعاً أن نتفحص موروثنا لاستبقاء النافع المفيد، والابتعاد عن النمط الذي لم يعد صالحاً لحياتنا المعاصرة بسبب التحديات الجديدة، وأن خطة التغيير تستدعي كافة الجهود ابتداء من البيت والمدارس والإعلام ومنابر التوجيه العامة، مؤكداً سموّه مرة ثانية وبنبرة واثقة جازمة على أن أهلنا في الإمارات هم من أقدر الناس على التكيف مع الخطة الشاملة لتغيير نمط الحياة، وأنّ استجابتهم ستكون سريعة نلمس آثارها في أقرب وقت وعلى أحسن حال.

ولم ينسَ صاحب السمو أن يوجّه الشكر لجميع العاملين المنخرطين في نشر ثقافة الترشيد الاستهلاكي كنمط صحيح للحياة مُراهناً سموّه على وعي الإنسان في هذه البلاد الطيبة المعطاءة التي تستحق كل خير وتقدم وازدهار.

Email