لماذا نخشى «كوفيد 19»؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

يصعب وضع المشاعر في كلمات تعبّر، لذا فإن وصف حالة القلق التي تعصف بالعالم بدقة يشكل تحدياً حقيقياً.

ومع ذلك فإن القول إن العالم خائف من فيروس «كورونا» المستجد (كوفيد 19) الذي يجتاحه حالياً، لا يفي المشهد حقه، فكلمة «خوف» لا تعبّر حق التعبير عن نوع الخشية التي يبدو أن معظم الناس يشعرون بها.

ها هي إشارات الحذر تعمّ الجميع كباراً وصغاراً، ويمكن أن تراها في وجوه ركاب قطارات الأنفاق حين يسعل أحد أو في عيني سائق أجرة يحدّق من خلف الكمامة في المرآة الخلفية. كما يمكن أن تلاحظه في الاستجابات المكثفة والمتفاوتة والمدمرة للذات التي اتخذتها بعض المجتمعات.

ولنكن واضحين منذ البداية فأنا لا أقصد بأن أقترح بأنه ليس هناك ما يكفي من الأسباب المنطقية لنشعر بالقلق، لكنني أقول بأن المدى الذي اتخذه ردّ الفعل العالمي على فيروس «كورونا» يكشف بأن شيئاً غريباً ما يحصل.

ولنبدأ بواقع أننا قد نجونا كجنس من المخلوقات من حالات أكثر سوءاً دون أن نصاب بهذا الذعر.

ومع ذلك فإنه بالرغم من أرجحية أن غالبية الناس لن تصاب بالفيروس، وأن السواد الأعظم من المصابين سينجو، فإن الناس والحكومات يتصرفون بطرق متطرفة مبالغ بها، بعضها يعتبر مضحكاً ويعد مقبولاً نسبياً كوضع تلك الكمامات ذات المسام أو شراء زبدة الفستق وأوراق المرحاض وأغراض أخرى للاستعمال اليومي بدافع الذعر، وهو ما اخترع له الألمان تعبير «هامستكاوف».

وينشغل الديماغوجيون وأصحاب نظرية المؤامرة في هذه الأثناء مستفيدين من وجود الفيروس، بحيث خلق لهم موقع «ويكبيديا» صفحةً خاصة تتعقب تخيلاتهم المحمومة.

ومن ضمن تلك النظريات ما يقول إن الصين قد اخترعت الجرثومة لتهدئ من فورة احتجاجات هونغ كونغ أو لتخضع أقلية الأويغور، وأن فيروس «كورونا» هو جزء من مخطط للحدّ من تعداد سكان الصين التي يؤيدها مؤسس مايكروسوفت بيل غيتس، وأن الفيروس قد تمّ تصميمه من قبل مختبرات الأسلحة البيولوجية الكندية.

وقد بدأت بعض الاستجابات غير العقلانية على وجود الفيروس تؤثر على حياتنا واقتصادنا بطرق خبيثة دون أن تقوم بشيء فعلياً لمحاربة الوباء.

وقد كتب الصحفي فريد زكريا في «واشنطن بوست» يقول إن الشعبويين يستغلون وجود المرض لتكثيف حملاتهم على المهاجرين، وأكثر من 10 بالمئة من سكان العالم يقبعون في حالة من العزل الإلزامي.

ما الذي يفسر إذاً ويربط بين تلك الفظائع التي تتحدى بمعظمها علوم الطب والمنطق؟ ويوجد باعتقادي ثلاثة تفسيرات، يقضي أولها بأن فيروس «كورونا» جديد غير مرئي وقاتل أحياناً ومجهول إلى حدّ كبير. فنحن لسنا بعيدين عن إيجاد اللقاح وحسب، بل لا نعلم ما الذي نتصدى له بالفعل، ومدى قدرته على الفتك، أو كيف يسبب العدوى.

ثانياً، أثبت الفيروس أنه مرعب حقاً لناحية احتواء واستغلال مسائل تشكل أساساً مصدر قلق حول العالم سيما العولمة والهجرة الجماعية والاعتماد المتبادل.

وثالثاً، فقد ضرب فيروس «كورونا» على وتر حساس بغاية القوة، وهو نابع من إحساس عميق بالذنب تشعر به غالبية البشر بسبب انتهاكها المتعنت للطبيعة.

إلا أنه، وبالرغم من تسبب هذا الخوف بتصرفات جانحة باطراد، فهو ليس سيئاً بالمطلق، إذ إن الأزمات الوجودية تعمل على تصفية الأذهان.

وهي غالباً ما تقنع السياسيين بإجراء إصلاحات ضرورية بالعمق حتى لو كانت موجعة لأنها تجبرهم على القبول بأنه لا يوجد حل آخر، وأنهم إذا فشلوا، فإن الفشل لن يقضي على مسيرتهم المهنية وحسب، بل سيقضي على بلدانهم برمتها.

وقد يكون فيروس «كورونا» هذا النوع من الأزمات، وإن لم يكن فإن الأزمة المقبلة هي حتماً كذلك.

لكن لا يبدو حتى الآن بأن قادة الدول يتوصلون للاستنتاجات الصحيحة من خلال الإقرار بالحجم الحقيقي للمشكلة والتعاون على حلّها بطرق منفتحة فعالة ومنسّقة. وهذا هو أكثر ما يسبب الذعر على الإطلاق.

 

Email