سيناريوهات للتعامل مع «كورونا» وما بعده

ت + ت - الحجم الطبيعي

قد يصعب علينا أن نجبر المجتمع العربي على التحرّك ككيان واحد لمواجهة تحدٍّ مرعب كالذي واجهه العالم مؤخّراً، فنحن أمام شعب عاطفي يعبّر عن سعادته بلقاء الأحبة بالتقبيل والعناق، ويسلّم بالمخاشمة، ويصافح الغرباء باليد، ويربّت على الأكتاف كنوع من المؤازرة وإبداء الاهتمام..

كيف يمكن أن نغيّر مثل هذه العادات التي باتت اليوم مصدر قلق للناس؟!لا أقول إن التغيير مسألة سهلة، لكنّه غير مستحيل، فلكي تغيّر العالم؛ ابدأ بنفسك، ابدأ بمحيطك الصغير من أسرتك وأصدقائك وزملائك بالعمل، لكي تشيع نوعاً جديداً من التعامل يعتمد على مسافات الأمان، فالوقاية دوماً خير من العلاج.

وهنا يأتي دور قادة الرأي في المجتمع من سياسيين ومشاهير وإعلاميين ورجال دين، لكي ينشروا الوعي، ليس على المستوى الصحي فحسب، وإنما على جميع المستويات.

هذا الأمر يضعنا أمام خطط استشراف المستقبل ودراسة السيناريوهات المحتملة لما سيكون عليه القادم من الأيام، فهل نعود إلى ما كنّا عليه قبل تفشّي الوباء، أم نتبع أسلوب حياة جديداً ومختلفاً؟

في الصين، حيث انطلق الفيروس، سيجد الناس أنفسهم مجبرين على تغيير عاداتهم الغذائية الغريبة، فهم يأكلون كل شيء، وأيّ شيء، الأمر الذي ترك آثاراً صحية مدمّرة.

وفي دول أخرى سيفعلون الأمر ذاته بالتخلّي عن العادات التي ساهمت في انتشار الوباء، مثل الحفلات الفنية الكبيرة، والازدحام في محطات المترو، وغير ذلك.

وعندنا مثل ذلك، فلدينا ما يكفي من مناسبات التجمّع التي تعرّض الناس لكلّ أنواع العدوى، والتي بدأ الحدّ منها، كإيقاف الصلاة في المساجد في الوقت الراهن، ومنع الحفلات والأعراس في الصالات والبيوت، وإيقاف المؤتمرات وما شابهها من مناسبات، والحدّ من التجمّعات في الأسواق والأماكن العامة.

وبقدر ما ساهمت هذه الإجراءات في السيطرة على الوباء، إلا أنها انعكست بصورة سلبية على كثير من الناس الذين يعتمدون في مصادر دخولهم على أعمال تحتاج إلى الاحتكاك المباشر مع الناس، لذلك فالحلول المستقبلية يجب أن تأخذ هؤلاء بالحسبان، لإتاحة فرص مهنية بديلة، وهو ليس بالأمر الصعب في ظلّ التحوّل الرقمي، وما يتيحه الذكاء الاصطناعي من خيارات لا محدودة في جميع مجالات الحياة.

فقد أثبت الذكاء الاصطناعي في هذه الأزمة؛ قدرته على المساعدة في الحدّ من تفاقم الكارثة، لذلك لا بدّ من مراجعة دقيقة لكيفية استثمار الذكاء الاصطناعي مستقبلاً، وتحويل أنماط الحياة المهنية والاجتماعية إلى ما يتناسب مع معطيات هذا الذكاء.

فاليوم يُطرَح بجدّية مفهوم العمل عن بُعد، والتعليم عن بُعد، والتسوّق عن بُعد، والاستثمار في مجالات التكنولوجيا الحديثة، والاستفادة من الروبوتات في الميدان الصحي، واستغلال منتجات الذكاء الاصطناعي في جميع مفاصل الحياة، للحدّ من الازدحام وتقليل الاحتكاك بين البشر، وهو أمر يفيد في كثير من النواحي إلى جانب الناحية الصحية، فهو يسهم في خفض معدلات الجريمة مثلاً، والحدّ من التلوّث البيئي الناتج عن التجمّعات البشرية.

ومن اللافت أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يسهم في تطوير آليات العمل في جميع المجالات، فعلى سبيل المثال يمكن تغيير أنماط عمل المطاعم لتلافي كونها أماكن للتجمعات، بحيث تعتمد على تسليم الوجبات باستخدام الروبوتات أو طائرات الدرون المسيّرة.

التحدّيات كبيرة في هذا المجال، ولتلافي فداحة الخسائر في وظائف ومهن الناس، فإنّ الحكومات مطالبة بإيجاد حلول بديلة تحمي الناس وتمنع الانهيار الاجتماعي والاقتصادي في المجتمع.

ما كان في السابق أمور معتادة وتسير عفو الخاطر في جميع نواحي الحياة، بات اليوم موضع دراسة وتقييم للانتقال إلى الحقبة الجديدة، فنحن بعد هذه التجربة المريرة التي اكتشفنا فيها ضعفنا كبشر، علينا أن نغيّر الأولويات لتصبّ في صالح البشرية، فالإنسان هو الثروة الأغلى التي علينا حمايتها، وعلى الحكومات أن تتعاون فيما بينها وتبني تحالفات حقيقية لمواجهة أيّ تحدٍّ مستقبلي.

كل الكوارث متوقّعة وكلّ السيناريوهات ممكنة، لذلك فعلى خلايا إدارة المخاطر وضع الحلول لكلّ السيناريوهات، ليس على المستويات المحلية فحسب، وإنّما على نطاق عالمي موسّع، يقينا شرّ الكوارث القادمة.

عافانا الله وإياكم، وأزال عنّا هذا البلاء.

* رئيس مجموعة دكتور أحمد النصيرات للتميّز والابتكار

 

Email