«كورونا» يعيد رسم ملامح العالم

ت + ت - الحجم الطبيعي

طرح تأثير وباء فيروس «كورونا»، سؤالاً جوهرياً، مفاده «هل نعيش واحدةً من تلك اللحظات التاريخية التي تشهد على التغير الدائم للعالم، حيث ميزان القوى السياسي والاقتصادي، يتبدّل بشكل حاسم، وحيث الحياة في بعض الدول، وبالنسبة للعديد من الناس، لن تعود على ما كانت عليه مطلقاً؟».

بأسلوب أبسط، يمكن التساؤل عما إذا كانت هذه نهاية العالم على النحو الذي نعرفه؟ وفي سياق موازٍ، هل تسطّر الأزمة الحالية بدايةً جديدة؟.

إن اللحظات العالمية المحورية الحقيقية، والأحداث المفصلية والتحولات الكبرى نادرة الحدوث في الواقع. لكن إذا كانت فرضية استحالة العودة إلى زمن ما قبل «كوفيد 19» صحيحةً، فإنها تطرح العديد من الأسئلة المثيرة للقلق حيال طبيعة التغيير، وما إذا كانت ستؤول للأفضل أو للأسوأ.

رأساً على عقب، وبطرق ما كان يمكن تصورها، انقلبت الحياة بمفهومها العادي، لعدد لا يحصى من الأفراد والعائلات. لكن كيف يمكن للوباء أن يترك تأثيراً في مستقبل سلوكيات الدول والحكومات والقادة، وعلاقاتها غير المتزنة غالباً؟ فهل ستعمل بشكل وثيق أكثر معاً، أم أن الصدمة الحالية ستزيد من تعميق الانقسامات؟.

يرى بعض المحللين مجالاً للتفاؤل هنا، لا سيما في التأثيرات البيئية المفيدة للصين في شمالي إيطاليا، على سبيل المثال. أما في الفلبين، فقد حفّزت الأزمة على وقف القتال مع المتمرّدين الشيوعيين، وسُطرت العديد من حالات الاتكال المتبادل، وأهمية الإجراءات الجماعية متعددة الأطراف.

وبرزت بالمقابل، وجهة نظر أكثر تشاؤماً، متمثلةً برأي ستيفن والت، البروفسور في مجال العلاقات الدولية في جامعة هارفرد، الذي كتب في مجلة «فورين بوليسي»: «ستعمل هذه الأزمة على تقوية عود الدولة، وتعزيز القومية. ستتبنى الحكومات من كافة الأشكال، إجراءات الطوارئ لإدارة الأزمة، وستكره التخلي عن القوة التي باتت تتحلى بها بعد انتهاء الأزمة.

وسيعمل (كوفيد 19)، على تسريع وتيرة انتقال كفة القوة من الغرب إلى الشرق، حيث إن الاستجابة في كل من أوروبا وأمريكا، جاءت متأخرة وعشوائية، بالمقارنة مع الصين وكوريا الجنوبية وسنغافورة، وأتت لتشوه أكثر هالة الغرب.

سوف نشهد تراجعاً في العولمة الكبرى، فيما يسعى المواطنون إلى حكوماتهم الوطنية لحمايتهم، وتجهد الدول والشركات لتقليص الثغرات المستقبلية. باختصار، سيخلق الفيروس عالماً أقل انفتاحاً وازدهاراً وحريةً».

وفي ما يتعلق بميزان القوى، تشير ميرا راب هوبر من المجلس الأعلى الأمريكي للعلاقات الخارجية، إلى أن أزمة الحوكمة المحلية والعالمية تلك، يمكن أن تغير طبيعة النظام العالمي بطرق متعددة. وإذا ظلت أمريكا غائبة عن المشهد، دون أي عذر شرعي، فقد تستغل الصين الأزمة، كفرصة لإرساء قواعد جديدة، بما يتناسب مع رؤيتها الخاصة للحوكمة العالمية.

وبكل الأحوال، يشكل هذا الوباء تذكيراً قوياً بأمرين، يقول ديفيد ميلليباند رئيس لجنة الإنقاذ الدولية: «التحديات المشتركة لهذه القرية العالمية، وانعدام المساواة الكبير، يفرض علينا المحاربة بشراسة لمواجهته. ففيروس «كورونا» ليس مشكلة الدول الغنية وحسب».

في حين يسود القلق من أن يعمق الوباء الانقسامات بين الدول، كأن يعزز المشاعر المناهضة للمهاجرين، على سبيل المثال، توجد فرصة جوهرية بأن يعزز التعاون الدولي، ودعم الأمم المتحدة، والاستعداد لمتابعة الحوار، بدلاً من اللجوء إلى المواجهات العسكرية والاقتصادية. ليس بالضرورة أن يكون المستقبل عبارة عن حرب موهنة بين الصين وأمريكا على مبدأ التفوق.

وتحذر إليزابيث برو من مؤسسة الخدمات المتحدة الأمريكية، من لحظة الثغرة الجيوسياسية القصوى، وتقول: «يشكل فيروس «كورونا»، الفرصة الأمثل لخصوم الغرب، لمراقبة كيفية تأقلم الدول أو عدم تأقلمها مع الأزمات الرئيسة».

وأشار جون إيكنبيري بروفسور العلاقات الدولية في جامعة برينستون، بالمقابل، إلى مخاوف أقل، بتحدثه عن فترة التعافي بقيادة الولايات المتحدة، عقب الكساد الكبير... وربما تمادي خصومة القوى العظمى في عالمٍ منكسر مخرّب، أكثر فقراً، هو ما ينتظرنا في المستقبل، كما يقول إيكنبيري.

لكنه يشير بالمقابل، إلى أنه يمكن، وعلى نحوٍ موازٍ، أن «تخرج الديمقراطيات على المدى البعيد من تقوقعها، لتجد نوعاً آخر من النزعة الدولية الحمائية البرغماتية».

أي بكلام آخر، قد تولد البدايات الجديدة من رحم الكابوس.

 

 

Email