حاجة البشر إلى القيم الإيجابية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعيش العالم اليوم في شتى القارات والدول وضعاً استثنائياً بسبب انتشار وباء كوفيد 19 الناتج عن فيروس كورونا المستجد، الذي اضطر البشر إلى اتخاذ إجراءات احترازية خارجة عن المعتاد للتعامل مع هذا الوباء، الذي تميز بسرعة تفشيه، ما تطلب اتخاذ تدابير نوعية لكسر حدة انتشاره ووقف انتقاله، ومن أهمها التباعد الجسدي، ببقاء الناس في منازلهم، وابتعادهم عن التجمعات، وإغلاق الأسواق والمدارس ودور العبادة؛ وغير ذلك من الإجراءات الوقائية التي اتبعتها الدول.

وفي ظل هذه الظروف تزداد حاجة الإنسان إلى القيم الإيجابية، التي يستطيع بها تجاوز هذا الظرف بسلام وأمان، وتمكنه من التعامل مع نفسه وأسرته ومجتمعه والإنسانية بحكمة ورحمة.

ومن أهم القيم الإيجابية التي تدعم الإنسان وترتقي به وتخفف عنه، القيم الإيمانية التي تبث فيه الطمأنينة والانشراح، وتمده بأسباب الصبر والتحمل والتفاؤل والأمل بالانفراج القريب، وتجعل إيمانه بالله تعالى وبحكمته وحسن التوكل عليه واللجوء إليه نعيماً يتذوقه، وحلاوة يكسر بها مرارة الظرف الصعب، ومعراجاً يُخلِّص به نفسه من ضيق المكان، ويصعد بها إلى آفاق الإيمان والإحسان، فيَسْبَح بقلبه هناك يقيناً وتوكلاً وثقة بالله تعالى، فتهون عليه الصعاب، وتمر عليه الأوقات لذَّة ونعيماً، وهذا كان دأب العلماء والصالحين في المصاعب والملمات، حتى قال بعضهم: «أنا جنتي في قلبي، وبستاني في صدري، أين رحت فهي معي لا تفارقني»، وقال: «المحبوس من حَبَس قلبَه عن ربه»، فمن كان مع الله كان في أوسع عيشة وأهنأ حياة، قال تعالى: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}، وقال عز وجل: {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة}.

ومن القيم الإيجابية التي تحتاجها المجتمعات قيم التكاتف والتلاحم والتحلي بروح المسؤولية وقيم المواطنة الصالحة، التي تعكس حرص كل فرد على نفسه وغيره، وإيمانه بأن المجتمع كالجسد الواحد، وأن الوطن سفينة تبحر بالجميع إلى بر الأمان، ومن واجب كل من فيها أن يحرصوا على سلامتها وسلامة من فيها وما فيها، وقد أثبت الواقع أن تهاون شخص واحد بهذا الوباء له نتائجه الخطيرة التي لا تحمد عقباها، كما حصل في بعض البلدان، ففي إيطاليا تسبب شخص واحد نتيجة خلطته الاجتماعية الكبيرة بنقل العدوى إلى عدد كبير من الناس بمن فيهم والده الذي توفي بسبب ذلك، ومن هنا حرصت الدول على سن قوانين صارمة لضمان التزام الجميع إجراءات الوقاية.

ومن مظاهر الإيجابية كذلك تحويل هذا التحدي إلى فرص للاستفادة منها، فاليوم أصبحت الأسر مجتمعة معاً في البيت، الآباء والأمهات والأبناء والبنات، فهي فرصة لهم لتجديد علاقاتهم، وتعزيز السعادة في ما بينهم، وسد جوانب النقص إن وجدت، وهي فرصة لهم للجلوس معاً، وإشباع حاجاتهم العاطفية، وتبادل الحوار والتفاهم ومناقشة الآراء حول قضاياهم المشتركة وشؤونهم الخاصة، كما أنها فرصة للآباء لمتابعة مستويات أبنائهم الدراسية عن قرب، ومدى اجتهادهم وتفاعلهم في مدارسهم الإلكترونية عبر التعليم عن بعد، وتعزيز نقاط قوتهم، ومعالجة نقاط ضعفهم، وهي فرصة للأقارب والأرحام لتعزيز تواصلهم ومتابعة أحوال بعضهم البعض عبر الهواتف ووسائل التواصل الإلكترونية، إلى غير ذلك من جوانب استثمار هذا التحدي بما يعود على الإنسان بالخير والنفع العميم.

ومن المهم في هذا الإطار أن نعوّد ألسنتنا على الكلمات الإيجابية أثناء حديثنا مع أفراد أسرتنا ومع الآخرين في ما يتعلق بهذه الأزمة، وأن نعوّد أبناءنا وبناتنا على ذلك، فإن تأثير الكلمة كبير في النفوس، فلنحرص على أن تكون كلماتنا كلمات صبر وأمل وتفاؤل وقوة إيمان، ليس فيها تسخط ولا تذمر ولا يأس ولا عصبية ولا انفعال.

ومن القيم الإيجابية المهمة في هذا الظرف الاصطفاف مع قيادتنا الحكيمة، ومع وطننا المعطاء، وأن نكون خير جنود لدولتنا في هذه المعركة ضد الوباء، ومن أهم ذلك التزامنا التوجيهات الوقائية وبقاؤنا في منازلنا، وتحلّينا بالأمل والتفاؤل، ومساندة دولتنا في كل خطوة تخطوها للتصدي لهذا الوباء على شتى الأصعدة طبياً وإنسانياً.

نسأل الله تعالى أن يرفع هذا الوباء عن عباده، وأن يمن عليهم بالعافية أجمعين.

 

 

 

 

Email