جولة شكري والوضع العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لو سألت أي مراقب موضوعي عن أبرز ملاحظاته للمشهد السياسي والأمني العربي، سيقول لك من دون تردد إن هذا الوضع يعاني تمدد دول جواره الجغرافي وتدخلاتها في شؤونه الداخلية إلى درجة أن كل دول جوارنا الجغرافي أصبحت لديها أزمة معنا (كعرب) نحتاج إلى مناقشتها معهم باستمرار.

يكفي المراقب متابعة أخبار تحركات المسؤولين في دول الجوار العربي الرئيسة، خلال هذا الأسبوع، سواء كانت من تحركات إيرانية إلى كل من العراق ولبنان لإعادة إنعاش دورها الإقليمي وخاصة في ظل الأزمات السياسية التي يعيشها البلدان، أو زيارة أردوغان الخائبة إلى روسيا، في شأن حربه في سوريا وليبيا، أو حتى إثيوبيا التي بنت «سد النهضة» وتعنتها على الوساطات الدولية حول تأثيراته في دول المصب العربية، هذا إضافة إلى «الهدوء الصامت» حول ما تفعله إسرائيل في الأراضي الفلسطينية التي تحتلها حتى بدأنا في ظل الانشغالات بأوضاع كورونا، نسيان القضية العربية الرئيسة.

إن سمة العلاقات الدولية وخاصة بين دول الجوار الجغرافي هي التنافس دائماً، فالكل يبحث عن مصالح بلاده وشعبه، والتمدد الحقيقي أو الافتراضي من خلال الأذرع السياسية لها إحدى أدوات تنفيذ تلك الأهداف.

وقد جاءت الاتفاقات الدولية لحفظ الدول وتنظيم هذا الأمر وخلق تفاهمات مشتركة، ولكن غالباً ما كانت حالة الدولة من حيث قوتها وضعفها عاملاً أو متغيراً مهماً في أن تكون تلك الاتفاقات مكان احترام وفعالية لدى الطرف الآخر، وخاصة مع الدول ذات الطموحات التوسعية.

وبالعودة إلى النقطة الأساسية للمشهد العربي اليوم الذي أعتقد أن جولة وزير الخارجية المصري سامح شكري ستكون ضمن أجندته وهو مسألة الفراغ السياسي العربي، حيث أعتقد أنه هو السبب في هذا الوضع الذي نعيشه.

ويمكننا أن نجزئه إلى: الفراغ السياسي الداخلي مثلما يحدث في العراق إحدى الدول العربية المركزية حيث يعاني أزمة تشكيل حكومة. والجزء الآخر، الفراغ الخارجي العربي والمقصود فيه غياب دور «البيت العربي» جامعة الدول العربية عما يحدث ضد أعضائها، وبالتالي النتيجة التي نراها طبيعية.

وأهم مبدأ في العلاقات الدولية ويجمع عليه كل دارسي النظم السياسية هو تعبئة أو سد الفراغات السياسية وعدم تركها تتوسع بالطريقة التي تجعل الدولة تعاني التدخلات، وكما ينطبق الحال على النظم السياسية فإنه كذلك الحال يسير على أي نظام آخر حتى النظام الإداري، لأن وجود فراغ، أياً كان نوعه، يعني هناك من سيأتي لتعبئة هذا الفراغ بما يخدم مصالحه وأهدافه، أياً كان نوعها من أهداف سياسية أو اقتصادية أو حتى طموحات شخصية.

ولعل هذا ما يفسر لنا تحركات دول الجوار الجغرافي العربي ونشاطها ضدنا خلال العقدين الماضيين بشكل أكبر، والشيء المزعج أكثر أن هناك محاولات من بعض القوى السياسية التي تدعي التدين لزيادة توسعة تلك الفراغات والشرخ السياسي خدمة لأجنداتها وولاءاتها «العابرة للحدود» كما تفعل جماعة الإخوان المسلمين والتنظيمات الطائفية الأخرى.

لو ركزنا على المشهد العربي قليلاً، وحللناه بشيء من الدقة، سنجد أن هذا الوضع يحتاج إلى عودة توحيد الصف العربي وإعادة تفعيل دور جامعة الدول العربية من خلال نشاط أعضائها، لأن الأزمات التي يمر بها إقليمنا أساسها العمل الفردي للدول وإن كثر فيكون على مستوى دولتين في مواجهة تحالفات دولية وبعضها تحالفات مع «قوى أدنى من الدولة» مثل الجماعات السياسية الدينية في وقت لم يعد فيه للدول إمكانية الدفاع عن المصالح من دون أن تكون ضمن تحالف أو تنظيم سياسي أو عسكري إقليمي أو دولي.

جولة وزير الخارجية المصري سامح شكري التي تشمل سبع دول عربية ومنها دولة الإمارات العربية والمملكة العربية السعودية عاصمتا القرار العربي حالياً، ستتضمن مناقشات تلك الجولة مسألة البحث عن مخرج لأزمة الفراغ السياسي الذي تعيشه الدول العربية وتداعياته على حالة الاستقرار الداخلي وحالة التنمية والنهوض العربي عموماً.

 

 

Email